آخر الأخبار

بعد أحداث سلا.. رئيس معهد دولوز يكشف لـ”مغرب تايمز” الأسباب الخفية لشغب عاشوراء

شهدت ليلة عاشوراء في عدد من المدن المغربية، وعلى رأسها مدينة سلا، موجة عنف وفوضى خطيرة، حيث حوّل مراهقون الاحتفالات إلى ساحة اشتباكات مع القوات الأمنية، عبر إشعال النيران، ورشق الحجارة، وتفجير قنينات الغاز، ما خلق حالة من الذعر في صفوف السكان، وأجبر السلطات على التدخل لاستعادة النظام.
وقد انتشرت مقاطع مصورة لهذه الأحداث على مواقع التواصل الاجتماعي، ما أثار استنكارًا واسعًا، وأعاد طرح تساؤلات حول ما إذا كانت هذه السلوكيات مجرد تصرفات عابرة مرتبطة بالمناسبة، أم أنها تعبير عن احتقانات اجتماعية أعمق تتطلب معالجة شاملة وجذرية.

وفي هذا السياق، اعتبر يوسف دعي، الباحث في العلوم السياسية والاجتماعية ورئيس معهد دولوز لتحليل السياسات، في تصريح لـ”مغرب تايمز”، أن “هذه الأحداث ليست ظاهرة عابرة أو موسمية، ولا تقتصر على فئة اجتماعية بعينها، بل هي ظاهرة متجذرة في التاريخ، وإن برزت بشكل لافت في الآونة الأخيرة، خاصة وسط الجيل الجديد من الشباب”.
وأوضح دعي أن الأسباب، رغم الحاجة إلى دراسات معمقة، ترتبط من جهة بتراجع أدوار بعض المؤسسات الاجتماعية في التنشئة والتربية، ومن جهة أخرى، بتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
وأضاف المتحدث: “يكفي الرجوع إلى تقرير المندوبية السامية للتخطيط، الذي أفاد بأن الشباب المتراوحة أعمارهم بين 15 و24 سنة شكّلوا نسبة 16.2% من سكان المغرب سنة 2021، أي ما يعادل 5.9 ملايين شخص، وأكثر من ربع هؤلاء الشباب لا يشتغلون ولا يدرسون ولا يتابعون أي تكوين، ما يجعلهم ضمن الفئات المهمشة”.

وتابع دعي قائلاً: “بالتالي، يمكن النظر إلى هذه الواقعة من زوايا متعددة: غياب المؤسسات الاجتماعية، وهشاشة أوضاع الشباب، وهو ما يُنتج بالضرورة عنفًا، يُقابله عنف مضاد”.

من جانبه، وصف إدريس السدراوي، رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، في تصريحه، ما شهدته بعض أحياء مدينة سلا من شغب وعنف خلال ليلة عاشوراء، بأنه “ناقوس خطر حقيقي”، ينبه إلى هشاشة الوضع الاجتماعي وتراجع أداء المنظومة التربوية.
وحذّر السدراوي من أن المغرب يمر بسياق وطني دقيق يتّسم بانتشار مقلق لمظاهر العنف، بما في ذلك العنف الرقمي والتحريض عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وأكد السدراوي أن ما وقع لا يمكن التعامل معه كأحداث معزولة، بل يُعد نتيجة مباشرة لتراكمات خطيرة ناجمة عن غياب رؤية شاملة لإدماج الشباب وتمكينهم، مشددًا على أن استمرار هذا النهج من شأنه تغذية الإحباط وتهديد السلم الاجتماعي.

وأشار إلى مظاهر سابقة لهذا الانفلات، مثل ما شهده مهرجان “موازين” من استهلاك علني لحبوب الهلوسة والمخدرات القوية، في ظل غياب تدخلات وقائية أو تأطير مجتمعي، معتبراً أن هذا الصمت الرسمي يُمثل “تواطؤًا غير مباشر” مع ثقافة الانحراف.

وفي هذا السياق، عبّر السدراوي عن تضامنه مع عناصر القوات العمومية، الذين يجدون أنفسهم في مواجهة مباشرة مع نتائج اختيارات حكومية وصفها بـ”القاصرة”، دون أن يتم تزويدهم بوسائل الدعم المجتمعي والمؤسساتي الكفيلة بضمان الأمن في إطار احترام حقوق الإنسان.

ودعا المتحدث إلى اعتماد مقاربة شاملة ومندمجة لمعالجة ظواهر العنف والانحراف، تقوم على:

إصلاح عميق لمنظومة التربية والتكوين.

خطة وطنية لمكافحة المخدرات والعنف بجميع أشكاله، بما في ذلك العنف الرقمي.

استراتيجية واضحة لاستعادة ثقة الشباب وفتح آفاق الأمل أمامهم داخل وطن يضمن الكرامة والحماية.

وختم السدراوي بالتأكيد على أن حماية الوطن لا يمكن أن تتحقق فقط من خلال المقاربة الأمنية، بل تبدأ من تحقيق العدالة الاجتماعية، والوقاية المسبقة، وتحرير طاقات الشباب من التهميش والجهل، بما يُسهم في بناء مجتمع متماسك وآمن.

ويبقى السؤال المفتوح أمام الجميع: إلى متى سيستمر التعامل مع هذه الظواهر بمنطق الترقيع الأمني، بدل التأسيس لسياسات اجتماعية عادلة وشاملة؟ فالعنف الذي انفجر في شوارع سلا ليلة عاشوراء ليس سوى عارض لمرض أعمق، لن يُعالَج إلا بتضافر جهود الدولة والمجتمع، واستثمار حقيقي في الإنسان، قبل أن تستفحل الأزمات ويصير الاحتقان القاعدة بدل الاستثناء.

المقال التالي