كيف حوّلت حكومة أخنوش الأرقام إلى أداة للتضليل؟.. تحقيق لـ«مغرب تايمز» يكشف زيف الإحصائيات

في عالمٍ تحكمه الأرقام، تتحول البيانات من أدوات قياس موضوعية إلى سجالات سياسية. تُظهر هذه المفارقةُ نفسَها جليّةً في المغرب، حيث تتناقض المؤشرات الرسمية مع التجربة اليومية للمواطنين تناقضًا لا يمكن تجاهله.
كشفت أحدث البيانات عن فجوةٍ صارخةٍ في معدلات البطالة. فبينما تشير المندوبية السامية للتخطيط إلى نسبة 13.3%، يُقدّم الإحصاء العام للسكنى والسُّكّان رقمًا مغايرًا تمامًا بلغ 21.3%. هذا التفاوت الكبير ليس مجرد اختلاف منهجي، بل يعكس رؤيتين متباينتين للواقع الاقتصادي.
يكشف الغوص في تفاصيل هذه الإحصائيات عن اختلافاتٍ جوهريةٍ في التعريفات المعتمدة. فبعض الجهات تستثني العمالة الموسمية والعاملين في القطاع غير المهيكل، بينما تُضمّنها جهاتٌ أخرى في حساباتها. تُنتج هذه الاختلافات المنهجية صورةً مشوّشةً لواقع سوق العمل.
تظهر المفارقة الأكثر إثارةً في مؤشرات النمو الاقتصادي. فبينما يُعلَن عن نموٍّ بنسبة 3.7% وناتجٍ محليٍّ إجماليٍّ يقترب من 144.42 مليار دولار، يظل الدخل الفردي متواضعًا عند 3403 دولارات سنويًا، أي ما يعادل أقل من ثلث المتوسط العالمي.
لا تقتصر آثار هذه التناقضات الإحصائية على الجانب الأكاديمي. فالقرارات السياسية والاقتصادية التي تُتخذ بناءً على بيانات غير دقيقة قد تؤدي إلى سياساتٍ غير ملائمة للتحديات الحقيقية التي يواجهها المواطنون.
يكمن الخطر الأكبر في تآكل الثقة بين المؤسسات والمواطنين. فعندما تتعارض الأرقام الرسمية مع ما يراه الناس في حياتهم اليومية، تتعمّق الهوّة بين الطرفين، مما يُعقّد عملية صنع السياسات الفعالة.
تمر الحلول المقترحة حتمًا عبر إصلاحٍ جذري للنظام الإحصائي الوطني. وهذا يتطلب تعزيزَ الشفافية في المنهجيات المعتمدة، وضمانَ استقلالية المؤسسات الإحصائية، وإشراكَ خبراء مستقلين في عمليات المراجعة والتقييم.
يَكتسب الدور الإعلامي أهميةً خاصة في هذه المعادلة. إذ تُطالب وسائل الإعلام بتحليل البيانات الرسمية تحليلًا نقديًا، وربطها بالواقع المعيش، وتقديم المعلومات للمواطنين بلغةٍ واضحةٍ وسلسة.
تثبت التجارب الدولية أن الإصلاح الإحصائي يمكن أن يكون بوابةً للإصلاح الاقتصادي الشامل. ويَتطلّب النجاحُ في هذه المعركة إرادةً سياسيةً حقيقيةً وشراكةً فعالةً بين جميع الأطراف المعنية.
في المحصلة، ليست الإحصائيات الدقيقة ترفًا أكاديميًا، بل ضرورةٌ ملحةٌ لصنع سياسات تنموية فاعلة. يُواجِه المغرب اليوم فرصةً تاريخيةً لبناء نظامٍ إحصائيٍ يلبي طموحات التنمية ويستجيب لتطلعات المواطنين.
تعليقات