عندما تتحول فسحة البحر إلى مطاردة خطيرة… تغازوت على وقع فوضى الجمال والخيول

كانت شمس تغازوت، شمال أكادير، ترسم بأشعتها الذهبية لوحات من الدفء والسكينة على أجساد المصطافين المستلقين فوق الرمال، فيما تعلو ضحكات الأطفال وهم يبنون قلاعهم الرملية قرب أمواج البحر؛ أجواءٌ مثالية، أقرب ما تكون إلى مشهد سينمائي… حتى لحظة ارتباك، حولت الحلم إلى فوضى عارمة.
في ظهيرة يوم أمس، كانت سيدة ترتدي قبعة صيفية وتلوّح بيدها لعدسة هاتف إحدى صديقاتها، بينما كانت تمتطي جملاً يقوده شاب عشريني يتجول به وسط المصطافين، عارضاً خدماته مقابل دراهم معدودة؛ فجأة، وقبل أن تكتمل ضحكتها للصورة، دوّى صراخ قادم من بعيد، وتحرّك عدد من الأشخاص بسرعة باتجاه الشاب؛ بدا أنهم رجال سلطة قادمين من نقطة بعيدة نحو موقع الجمل.
ما حدث بعد ذلك بدا وكأنه مقتطع من مشهد مطاردة هوليودية: الشاب، بمجرد أن لمح رجال السلطة، سحب السيدة بعجلة من فوق الجمل، ثم امتطى الدابة وقفز بها ليهرب بسرعة جنونية، ضارباً الجمل بعصاه ليزيد من سرعته؛ مرّ بين المصطافين والأطفال كالعاصفة، مثيراً الغبار والصيحات، ومتسبباً في حالة من الذعر والهلع في أوساط العائلات التي كانت قبل لحظات فقط تنعم بالاسترخاء.
تقول إحدى السيدات، وهي أم لثلاثة أطفال: “كنا نجلس على الشاطئ ونراقب أولادنا يلعبون، وفجأة رأينا الجمل يجري بسرعة غير معقولة، اقترب من طفلي الصغير وكاد يدهسه لولا أن أبوه سحبه في اللحظة الأخيرة. شعرت وكأن قلبي توقف، هذا جنون!”
العديد من المصطافين تبادلوا نظرات القلق والاستغراب، بينما كانت بعض الأمهات تسحب أطفالها بسرعة نحو المظلات، خوفاً من عودة المشهد.
واقع الأمر أن هذه الظاهرة ليست جديدة على شاطئ تغازوت، حيث يتكرر مشهد الجمال والخيول التي تُكرى للراغبين في التصوير أو التجوال، رغم أن القانون يمنع هذه الأنشطة داخل الفضاءات المخصصة للمصطافين، ويوفر لها مناطق خاصة بعيداً عن الشاطئ. لكن التطبيق على الأرض يبدو هشًّا، بل وغائباً أحياناً.
شاب في الثلاثينات من عمره قال لنا، وهو يحمل ابنته على كتفه:”نأتي هنا كل صيف للاستمتاع، لكن هذه الحيوانات تجول وسط المصطافين وكأن الأمر عادي. لا أحد يراقب، ولا أحد يمنع. لقد رأيت اليوم ثلاثة خيول تهرب وسط الناس، هذا تهديد مباشر لحياتنا وحياة أطفالنا.”
المثير في المشهد، أن الأمور عادت سريعاً إلى ما كانت عليه، بل ولم تمضِ سوى دقائق قليلة على مغادرة رجال السلطة حتى عاد بعض أصحاب الجمال والخيول مجدداً إلى الشاطئ، وكأن شيئاً لم يكن، يبحثون عن زبائن جدد بين العائلات التي بدأت تتجاوز الرعب، محاولة استعادة جوها الصيفي.
ما جرى في شاطئ تغازوت لم يكن حادثاً بسيطاً، بل إنذاراً صارخاً عن خلل في التنظيم والمراقبة، وعن استخفاف واضح بالقوانين والتعليمات التي تهدف أولاً وأخيراً إلى حماية الأرواح قبل كل شيء. وبين بهجة البحر ودهشة الزوار، يبقى الأمل في أن تكون هذه الحادثة الأخيرة، وأن تتعزز يقظة الجهات المختصة لحماية الجميع من مشاهد لا مكان لها في صيف يفترض أن يكون آمناً وجميلاً.
تعليقات