آخر الأخبار

أخنوش ومجموعة «أكوا»… متى تحوّلت رئاسة الحكومة إلى بوابة للتوسع الاقتصادي؟

في خضمّ ما يشبه سُباتًا مؤسساتيًا، تشهد مجموعة «أكوا» – المملوكة لرئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش – توسعًا اقتصاديًا لافتًا يمتدّ اليوم ليشمل قطاع التأمين، عبر صفقة استحواذ على خمسين بالمئة من رأس مال شركة «ألفا للتأمين وإعادة التأمين». هذه الخطوة الاستراتيجية تأتي ضمن سلسلة توسعات متلاحقة للمجموعة في قطاعات حيوية تشمل المياه والتحلية وتوزيع المحروقات، مما يثير استفهامات جادّة حول مدى وضوح الحدود الفاصلة بين السلطة السياسية والمصالح الاقتصادية الخاصة.

اللافت للانتباه في هذه الصفقة تحديدًا هو تزامنها الدقيق مع تولي أخنوش مقاليد رئاسة الحكومة، حيث أعلن مجلس المنافسة – في خطوة اعتبرها مراقبون شكليّة – عن فتح باب الملاحظات حول الصفقة خلال الفترة الممتدة من 5 إلى 16 يونيو الجاري. وبينما تؤكد وزارة الاقتصاد في بلاغ رسمي أن الصفقة “خضعت للتدقيق القانوني الكامل”، يرى خبراء مستقلون أن الإجراءات المُتّبعة لا تكفي لضمان الشفافية، خاصة في ظل تحذيرات وردت في التقرير السنوي للهيئة الوطنية للنزاهة (إصدار ديسمبر 2023، الصفحة 47) من “وجود ثغرات رقابية في متابعة حالات تعارض المصالح بصفقات القطاع العام”.

يُقدّم المشهد الراهن إشكالية بالغة التعقيد؛ فمن جهة، هناك توسع غير مسبوق لمجموعة خاصة في مفاصل الاقتصاد الاستراتيجي، ومن جهة أخرى، هناك رئيس حكومة يتخذ قرارات قد تؤثر – بصورة مباشرة أو غير مباشرة – على هذه القطاعات ذاتها. ومن جانبها، دافعت مجموعة «أكوا» عن هذه الاستثمارات في تصريح خاص لمجلة «الإيكونوميست» (عدد 15 مايو 2023)، مؤكدةً أن “استثماراتها تخضع لمعايير الحوكمة المؤسسية، وهي منفصلة إداريًا وقانونيًا عن أي منصب سياسي يشغله رئيسها، وتستند إلى دراسات جدوى اقتصادية أعدتها شركات استشارية دولية”.

لكنّ هذه التصريحات لا تبدو كافية لتهدئة المخاوف، خاصة في ظل غياب تقييم علني من قبل المجلس الاقتصادي والاجتماعي أو هيئات حماية المنافسة، رغم اختصاصها القانوني. هذا التقاطع الواضح بين المال والسلطة يطرح تساؤلات جوهرية تتجاوز الإطار الشكلي للقانونية، لتمسّ صميم العلاقة بين السلطة والاقتصاد في المغرب. فبينما تُقدّم المجموعة نفسها كـ”ضامن للجودة الاقتصادية”، يرى خبراء مثل الدكتور عمر الكتاني (أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس) أن “غياب آليات رقابية مستقلة يُهدّد تكافؤ الفرص، وقد يُفضي إلى هيمنة غير صحيّة لبعض الفاعلين الاقتصاديين”.

التحدي الأكبر الذي تطرحه هذه المعادلة لا يقتصر على الجانب القانوني فحسب، بل يمتدّ إلى الرسالة التي تُرسلها للمستثمرين الصغار. فهل دخل المغرب حقًا مرحلة «اقتصاد المحاسيب»، حيث تصبح المناصب الحكومية جسرًا للوصول إلى الصفقات الكبرى؟ أم أن ثمة ضماناتٍ حقيقية قادرة على حماية السوق؟

وإذا عدنا إلى الفصل 36 من الدستور المغربي، نجده ينص على منع تضارب المصالح، لكن يبدو أن بعض الساسة فهموه خطأً كـ”منع الفقراء من تضارب مصالحهم”، فها هو رئيس الحكومة يلعب دور “تاجر السوق” في الاقتصاد المغربي، مثلما كان “الحجّامة” قديمًا يمارسون الطب الشعبي على الهوامش! الفرق أن “الحجّامة” كانوا يقولون: “هذه مجرد إسعافات أولية”، بينما اليوم نسمع: “هذه مجرد استثمارات خاصة”! حتى مجلس المنافسة صار أشبه بـ”لجان الأخلاق” في الأسواق القديمة، التي كانت تُطارد الباعة المتجولين… وتتغاضى عن كبار المحتكرين!

المقال التالي