“طَاحَت الصَّوْمَعَة عَلَّقُوا الحَجَّام !!”

“طَاحَت الصَّوْمَعَة عَلَّقُوا الحَجَّام”، بمعنى “سقطت الصومعة فاشنقوا الحلاق”، ويُسمى الحلاق حجامًا في المغرب لأنه كان يقوم أيضًا بالحجامة، هو مثل مغربي معروف يقال فيمن ذهب ضحية ذنب اقترفه غيره واتُّخِذَ كبش فداء.
قصته، التي يُروى أنها جرت في مدينة فاس المغربية، أن حلاقًا كان له دكان قرب المسجد، وكان من زبائنه والي المدينة، الذي استدعاه يومًا ليحلق له رأسه ويشذب لحيته، فانزلقت موس الحلاق وجرحت الحاكم جرحًا طفيفًا، فاستشاط غيظًا لكنه لم يقدر على معاقبة الحلاق حالًا خوفًا على سمعته، وما هي إلا أيام حتى وصل إلى الحاكم خبر سقوط صومعة المسجد، فأمر بشنق الحلاق متهمًا إياه بالتسبب في إسقاطها، من كثرة الماء الذي كان يستعمله عند الحلاقة، والذي كان يرميه على حائط الصومعة. لم تعد هذه الحكاية مجرد حدث من الماضي. فما حدث لذلك الحلاق المسكين في فاس القديمة يتكرر اليوم بأشكال عصرية، حيث تُختزل الأحداث الوطنية والإقليمية والدولية المعقدة في سرديات بسيطة تبحث عن كبش فداء.
وكما وجد الحاكم في القصة القديمة في الحلاق هدفًا سهلاً لتفريغ غضبه بعد أن جرحه بموس الحلاقة دون قصد، نلاحظ اليوم نمطًا مشابهًا في تحليلات الدكتور عبد الرحيم منار السليمي. فبينما نحن، البسطاء، نهرول وراء الأخبار الموثوقة حول الأحداث الجارية إقليميًا، يطل علينا “العبقري الاستراتيجي” عبد الرحيم منار السليمي ليحذرنا من المؤامرات الكونية ضد المغرب! فبينما ينشغل العالم بإيران وإسرائيل، يكتشف هو أن الخطر الحقيقي يكمن في… خرجات بنكيران وتحركات الجزائر والكوفية الفلسطينية!
يعتمد السليمي في تحليلاته على ما يمكن تسميته بـ”مصادر مجهولة”، التي تعجز كل وكالات الأنباء العالمية عن الوصول إليها. هل تُصدق أنه كشف عن “قائمة سرية” لقيادات جزائرية وتونسية قبل أيام من الرد الإيراني؟ بالطبع لم ينشرها أحد سواه، لأنها – على ما يبدو – كانت مخبأة في جيبه الخلفي!
والأكثر طرافةً هو كيف يحوِّل السليمي كل حدث عالمي إلى مؤامرة ضد المغرب. ضربات إسرائيل؟ مجرد ذريعة! الأزمة الإيرانية؟ شجرة تخفي غابة الجزائر! حتى تصريحات بنكيران أصبحت ذات دلالات استخباراتية تهدد الأمن القومي!
نحن هنا، البسطاء والسذج من متابعي قنوات الجزيرة والعربية، نتابع الأحداث السطحية، بينما ينفرد هو برصد “دبيب النمل” ويحذرنا من “السيف الخفي”. يا له من عبقري! حتى وكالة المخابرات المركزية (CIA) لم تدرك أن حزب العدالة والتنمية تحول إلى حركة مقاومة، إلا هو الوحيد الذي يشك في ذلك!
فمتى سيفيق العالم على أن منار السليمي يمتلك جزءًا من الحقيقة المطلقة؟ ومتى سنعترف أننا، المغاربة “العاطفيين”، لا نستحق مثل هذه العبقرية الفذة؟ ربما عندما نكتشف أن الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مؤامرة جزائرية-بنكيرانية مدعومة من أصدقائنا في المجرات البعيدة!
وهكذا، يتضح لنا أن نظرية “المؤامرة الكونية” أصبحت أسهل من فك عقدة حذاء! فبدلاً من مواجهة تعقيدات الواقع وتشابكاته، يكفي أن نلقي باللوم على “الحلاق والجزائر وبنكيران وأصدقائنا في المجرات البعيدة”، ونسترخي. ربما لو عاش ذلك الحلاق المسكين في زماننا، لصار اليوم محللاً سياسيًا مرموقًا يشرح لنا كيف أن سقوط الصومعة كان جزءًا من خطة استعمارية ثلاثية الأبعاد!
فيا عالم، استيقظ! فالحقيقة ليست في الكتب، ولا في الوثائق، ولا حتى في المنطق… بل في الجيوب الخلفية السرية لبعض “العباقرة” الذين يرون ما لا نراه… أو بالأحرى، ما لا وجود له أصلاً!
في النهاية، يبدو أننا أمام إعادة إنتاج معاصرة لقصة الصومعة والحجام، حيث تُختزل تعقيدات الواقع في سرديات بسيطة تبحث عن مذنب. الفارق الوحيد أن الحلاق المسكين في القصة القديمة لم يكن يملك سوى موس الحلاقة، بينما يمتلك “حلاقو” عصرنا منصات إعلامية ووسائل تواصل اجتماعي تعزز تأثير تحليلاتهم.
تعليقات