بنسليمان تحتضن أكبر ملعب بالمغرب.. ومواطنون يتساءلون: وماذا عن التعليم والصحة؟

فازت الشركة العامة للأشغال المغربية (SGTM) بصفقة بناء ملعب “الحسن الثاني” بمدينة بنسليمان، في إطار استعدادات المملكة لتنظيم نهائيات كأس العالم 2030 إلى جانب إسبانيا والبرتغال. وسيمتد هذا المشروع الضخم على مساحة 100 هكتار، بكلفة إجمالية تناهز 500 مليون دولار، أي أكثر من 5 مليارات درهم مغربي، منها أكثر من 3 مليارات مخصصة للأشغال الكبرى وحدها.
ويُنتظر أن تكتمل أشغال هذا المركب الرياضي في مطلع سنة 2028، ليحتضن لاحقًا كأس العالم للأندية 2029، كمرحلة تمهيدية للمونديال العالمي. وسيتسع الملعب لحوالي 115 ألف متفرج، ليُصبح الأكبر من نوعه في المغرب، بمدرجات تمتد على سبعة طوابق، وتصميم معماري مستوحى من الخيمة المغربية التقليدية. كما سيضم فنادق، ومراكز للمؤتمرات، ومحطتين للقطار، إحداهما فائق السرعة، لتعزيز الربط مع باقي مناطق الجهة.
ورغم الطابع المعماري اللافت والطموحات الاقتصادية المرافقة للمشروع، يثير هذا النوع من الاستثمارات العملاقة جدلاً واسعًا حول ترتيب الأولويات الوطنية، خصوصًا في ظل وضعية اجتماعية صعبة، تتجلى في تدهور قطاعات حيوية كالصحة والتعليم. فبعض المستشفيات في المناطق القروية وشبه الحضرية والحضرية لا تتوفر حتى على معدات أساسية كالتحاليل المخبرية أو أجهزة الأشعة، في حين تعاني المدارس من الاكتظاظ ونقص الموارد البشرية والبنية التحتية.
فهل من الحكمة ضخ مليارات الدراهم في ملاعب ضخمة، في وقت تئن فيه القطاعات الاجتماعية تحت وطأة الإهمال؟ وهل من المقبول أن تظل الأسرة المغربية تدفع ثمن فشل السياسات العمومية من جيبها، عبر تردي الخدمات الأساسية، بينما تُخصص موازنات ضخمة لتهيئة ملاعب قد لا تُستغل لاحقًا؟
يُحذر خبراء من مغبة تكرار سيناريوهات دول أخرى، وعلى رأسها جنوب إفريقيا التي أنفقت ما يزيد عن 3 مليارات دولار على ملاعب كأس العالم 2010. ورغم النجاح التنظيمي آنذاك، فإن غالبية تلك الملاعب تحولت بعد انتهاء البطولة إلى “أهرامات فارغة”، لا تحقق أي مردودية اقتصادية ولا تجد من يستخدمها، في ظل ضعف البطولات المحلية وتراجع الإقبال الجماهيري.
والمغرب، رغم حماسه الكبير لتنظيم المونديال، يواجه تحديات مشابهة؛ إذ أن البطولة الوطنية تعاني من مشاكل هيكلية مزمنة، كضعف التكوين، قلة الحضور الجماهيري، وغياب البنية الاقتصادية اللازمة لدعم استمرارية هذه الملاعب العملاقة.
ويُلاحظ -حسب متتبعين- أن المغرب يندفع بقوة نحو تأهيل الملاعب في أغلب المدن، وكأن كأس العالم غاية في حد ذاتها، لا وسيلة لتعزيز التنمية الشاملة. في المقابل، اختارت البرتغال نهجًا أكثر عقلانية، حيث حدّت من عدد الملاعب المرشحة لاستضافة المباريات، وفضّلت توجيه استثماراتها لتقوية قطاعات أساسية، كالتعليم والصحة والبنية التحتية المستدامة، عوض الدخول في سباق مكلف قد يثقل كاهل الأجيال القادمة.
تعليقات