آخر الأخبار

بعد تهميش العاملات … صفقة ب400 مليون لتصميم عرض بصري للتعريف بالأرگان

في خطوة تثير الكثير من التساؤلات، خصصت الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان مبلغًا مالياً يناهز أكثر من أربعة ملايين درهم لتنفيذ خدمات سينوغرافية — أي تصميم وتأثيث عرض بصري — بوحدة تفسير التراث في المركز الدولي لشجرة الأركان بمدينة أكادير، وذلك في إطار صفقة تم تفويتها لشركة خاصة دون تسجيل أي منافسة فعلية.

وإذا كان مفهوم “تفسير التراث” يهدف نظرياً إلى تثمين الموروث الثقافي والبيئي المرتبط بشجرة الأركان، فإن الممارسة على أرض الواقع تكشف عن خلل عميق في ترتيب الأولويات؛ فبينما تُخصص الملايين لتجهيز قاعة عرض فاخرة، لا تزال “نساء الأركان” في القرى الجبلية يعانين ظروفاً اجتماعية واقتصادية قاسية، يشتغلن لساعات طويلة في استخراج زيت الأركان مقابل أجور زهيدة، في غياب تغطية اجتماعية وصحية ملائمة، ووسط بيئات عمل تفتقر لأبسط شروط الكرامة.

السؤال الذي يُطرح بإلحاح: أليست هؤلاء النساء هنّ العمود الفقري الحقيقي لهذا التراث؟ أليس من الأجدر أن تُوجَّه هذه الاعتمادات المالية لتحسين أوضاعهن، ودعم التعاونيات الإنتاجية، وتوفير شروط العمل اللائق لهن، بدل صرفها على تجهيزات ثانوية تُستخدم في عروض مؤقتة موجهة غالباً للسياح والزوار الرسميين؟

إن الحديث عن تثمين التراث لا يمكن أن يكون حقيقياً ما لم يرتبط بشكل مباشر بتثمين الإنسان المنتج لهذا التراث، لا سيما النساء القرويات اللواتي حافظن، عبر أجيال، على سلسلة إنتاج الأركان في صمت وتهميش. فالرهان ليس فقط في ما نعرضه داخل القاعات المكيفة، بل في ما نُحققه على أرض الواقع من تغيير في حياة الفئات المعنية.

وحسب متتبعين لهذا الموضوع، فإن ما وقع في صفقة “السينوغرافيا” ليس مجرد اختيار فني، بل تجسيد واضح لعقلية تضع الشكل فوق الجوهر، وتفضل الاستثمار في الواجهة على حساب القاعدة، في تجاهل تام لأولويات التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية التي يفترض أن تكون جوهر أي عمل تنموي جاد.

المقال التالي