نداء محمد السادس يعيدنا إلى زمن الحسن الثاني.. حين مُنعت الأضحية لأجل الوطن

مع اقتراب عيد الأضحى، وما يرافقه من أجواء روحانية خاصة، تشهد مدن المغرب إجراءات أمنية وتنظيمية استثنائية، للحد من بعض مظاهر الاحتفال المرتبطة بذبح الأضاحي، امتثالًا للدعوة الملكية التي وجّهها الملك محمد السادس قبل أشهر، والتي ناشد فيها المواطنين بعدم القيام بشعيرة الذبح هذه السنة، نظرًا للظروف المناخية والاقتصادية الصعبة.
وفي خضم هذه الأجواء، تعود إلى الذاكرة الوطنية مشاهد مشابهة من تاريخ المملكة، حين قرر الملك الراحل الحسن الثاني، في فترات عصيبة، منع ذبح الأضاحي كذلك، في خطوات أثارت آنذاك الكثير من النقاش والانقسام، لكنها بقيت شاهدة على طبيعة العلاقة بين الدين، والسلطة، والواقع الاجتماعي.
في سنة 1963، بعد عام واحد فقط من استقلال الجزائر، اندلعت “حرب الرمال” بين الجارتين -المغرب والجزائرـ بسبب نزاع حدودي، ما أنهك المغرب اقتصادياً، ودفع بالملك الحسن الثاني إلى اتخاذ قرار مفاجئ: إلغاء شعيرة الأضحية. كان المغرب حينها يخرج من سنوات استعمار ويخوض حربًا استنزفت موارده، ولم يكن ذبح الأضاحي ممكنًا في ظل الأزمة. ومع أن نحر الأضحية سنة مؤكدة في الشريعة الإسلامية، فإن السياق الاقتصادي الصعب رجّح كفة القرار السياسي.
أما في عام 1981، فكان السبب جفافًا مدمرًا أتى على نسبة كبيرة من الأنعام، وسط أزمة ديون خانقة. ورغم نداء الملك، تحدّى كثير من المغاربة القرار، وذبحوا أضحيتهم سرًا داخل منازلهم، وهم يخشون أعين “المقدّمين” وشيوخ الأحياء الذين يمثلون أعين السلطة في الأحياء الشعبية.
ثم جاء عام 1996، ليعلن الحسن الثاني، وللمرة الثالثة، منع نحر الأضاحي بسبب استمرار موجات الجفاف، التي بلغت ذروتها سنة 1995. وقد وصف المغرب حينها بأنها “سنة كارثة وطنية”. الملك، وفي رسالة قرأها وزير الأوقاف عبد الكبير العلوي المدغري، أكد أن إقامة هذه الشعيرة في ظل الأزمة قد تُلحق ضررًا محققًا بالمواطنين، وخصوصًا الفقراء منهم.
وفي هذا السياق، يبدو قرار الملك محمد السادس، امتدادًا طبيعيًا لرؤية ملكية توازن بين الشريعة الإسلامية ومقتضيات الواقع. فقد جاء في رسالته أن “ذبح الأضحية سنة مؤكدة، لكن إقامتها في هذه الظروف الصعبة من شأنها أن تتسبب في ضرر بالغ”. كما أعلن جلالته أنه سيقوم بذبح أضحية العيد باسمه ونيابة عن شعبه، بناء على سنة النبي محمد ﷺ، الذي كان يضحي بكبش عن نفسه وآخر عن أمته.
عيد بلا أضاحٍ هذا العام، لكنه عيد بحسّ تضامني، وبصلاة وصِلة وصدقة… وهو أيضًا مناسبة لتأمل تاريخنا السياسي والديني، وللتفكر في معاني التضحية، حين تكون في سبيل الوطن.
تعليقات