موت السياسة: معارضة عاجزة عن توحيد صفوفها وأخنوش يحكم دون مساءلة

يحل رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، يوم الاثنين المقبل بالجلسة العمومية الشهرية المخصصة لمساءلة السياسة العامة داخل مجلس النواب، بعدما تم تأجيلها في الأسبوع الماضي بسبب انعقاد مجلس وزاري ترأسه الملك محمد السادس. لكن حضوره هذه المرة يأتي في سياق سياسي خاص، يتّسم بتعثر المعارضة للمرة الثانية في تقديم ملتمس رقابة لسحب الثقة من الحكومة، عقب إعلان الفريق الاشتراكي انسحابه من تنسيق المعارضة.
هذا الانسحاب، الذي برّره الاتحاد الاشتراكي بغياب الإرادة الحقيقية لإخراج المبادرة إلى حيز الوجود، يعكس بشكل صارخ هشاشة المشهد الحزبي المغربي، ويدلّ على ما يمكن وصفه بـ”موت الفعل السياسي” في البلاد. فالمعارضة، عوض أن تتوحد لمساءلة الحكومة حول فشلها في عدد من القطاعات الحيوية، اختارت أن تغرق في صراعات داخلية عقيمة وحسابات انتخابية ضيقة، تمثلت في التنازع حول من يتلو ملتمس الرقابة، في مشهد يفتقد للحد الأدنى من النضج السياسي والبرلماني.
منذ تولي حكومة عزيز أخنوش مقاليد السلطة بعد انتخابات 8 شتنبر 2021، اتضح أن السياسة لم تعد فعلاً نضالياً أو مشروعاً مجتمعياً، بل أصبحت حكراً على رجال المال والتقنوقراط. فجلّ الوزراء الحاليين -حسب مهتمين- لا يمتلكون خلفية سياسية واضحة، بل جاؤوا من عالم الأعمال، يشتغلون بمنطق الربح والخسارة، لا بمنطق المصلحة العامة والمحاسبة الشعبية. هذه العقلية أفرغت الحكومة من بعدها السياسي، وحوّلتها إلى شركة تسيير تبحث عن النتائج الرقمية لا عن الإجماع الوطني أو الاجتماعي.
وإذا كانت المعارضة هي الأخرى تعاني من ضعف وتشتت واضحين، فإن الحكومة تستغل هذا الوضع بشكل ذكي لتُمرّر سياساتها دون معارضة حقيقية. فالصراعات التي نشبت داخل المعارضة منذ طرح حزب الاتحاد الاشتراكي لفكرة ملتمس الرقابة، ورفض الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران لها آنذاك، ثم تراجع الحزب لاحقاً وانضمامه إلى التنسيق، كلّها مؤشرات على أن الحسابات السياسية الضيقة باتت تتحكم في القرار الحزبي، لا مصلحة المواطن ولا صوت الشارع المحتقن.
ووسط هذا المشهد الرمادي، تبقى الحكومة تمضي في عملها دون اكتراث، حتى مع غياب رئيسها المتكرر عن الجلسات الشهرية وغياب عدد من وزرائها عن أسئلة البرلمان. والمواطن المغربي، الذي يعاني من غلاء المعيشة وتدهور الخدمات، يبقى المتضرر الأكبر من هذا الصراع العبثي، حيث لا حكومة تستمع لهمومه، ولا معارضة تدافع عن حقوقه بجدّية وصدق.
إن ما نعيشه اليوم في المغرب هو انحدار خطير للسياسة، التي فقدت جوهرها المتمثل في الوساطة بين الدولة والمجتمع، وفي تقديم الحلول والنقد البناء. ومع اقتراب الاستحقاقات التشريعية المقبلة، يبدو أن لا أمل يلوح في الأفق في ظل استمرار منطق التحكم، وتكريس “الأقل كفاءة والأكثر ولاءً”، سواء داخل الحكومة أو في أروقة المعارضة.
خ.أ
تعليقات