المغرب الأخضر…اعمارة يفضح سياسات فلاحية كرّست التفاوت وأضعفت الاقتصاد القروي

كشف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عن مجموعة من الاختلالات التي شابت تنفيذ مخطط المغرب الأخضر، خاصة ما يتعلق بتوزيع الاستثمارات العمومية في القطاع الفلاحي، حيث تم توجيه الجزء الأكبر من التمويل إلى الفلاحة الكبرى، فيما لم تستفد الفلاحة العائلية الصغيرة والمتوسطة سوى من نسبة ضئيلة من هذه الاستثمارات، رغم أنها تمثل حوالي 70% من مجموع الاستغلاليات الفلاحية في البلاد.
واعتبر رئيس المجلس عبد القادر اعمارة أن هذا التفاوت أدى إلى تهميش الفاعلين في هذا النمط الإنتاجي، وأضعف مساهمتهم في التنمية القروية والفلاحية.
وأشار اعمارة، خلال عرض تقرير حول واقع الفلاحة العائلية، إلى أن هذا النمط لا يشكل فقط وحدات إنتاجية بسيطة، بل هو نموذج عيش متكامل يوفر الأمن الغذائي، ويخلق فرص الشغل، ويساهم في الاستقرار بالمجال القروي، كما يحافظ على التقاليد والممارسات الفلاحية المتوارثة. ورغم هذه الأدوار الحيوية، فإن الفلاحة العائلية ظلت الحلقة الأضعف في السياسات المعتمدة، التي لم توفر لها الدعم الكافي لا على مستوى التقنيات الحديثة ولا التمويل أو التأطير.
التقرير أبرز أن هذا التفاوت في الدعم ساهم في تفاقم مشاكل الفلاحين الصغار والمتوسطين، الذين يعانون من انعكاسات التغيرات المناخية، وارتفاع أسعار المدخلات، وضعف البنيات التحتية، إضافة إلى صعوبة تسويق منتجاتهم بسبب غياب التنظيم، وهيمنة الوسطاء والمضاربين، مما قلص من هامش أرباحهم وأضعف قدرتهم على الاستمرار.
ودعا المجلس إلى تبني رؤية جديدة تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل مجال ترابي، وتمنح الفلاحة العائلية المكانة التي تستحقها في السياسات العمومية، من خلال دعم متكامل يشمل تعزيز البنيات التحتية، وتحسين الخدمات الأساسية، وتنويع مصادر الدخل، مع توجيه الفلاحين نحو ممارسات فلاحية مستدامة مثل تناوب المحاصيل والزراعة المباشرة وترشيد استهلاك المياه.
كما أوصى التقرير بتطوير زراعات تتلاءم مع التغيرات المناخية وتستهلك كميات أقل من الماء، مثل الزعفران، والأركان، والنباتات العطرية والطبية، بالإضافة إلى تثمين الزراعات التقليدية وتربية الماشية. واعتبر المجلس أن تنظيم الفلاحين داخل تعاونيات أو مجموعات ذات نفع اقتصادي من شأنه تقوية موقعهم في السوق، والحد من تدخل الوسطاء، مع تسهيل ولوجهم إلى أسواق محلية وإقليمية عبر مسارات تسويق قصيرة.
وأكد التقرير على ضرورة إنشاء وحدات صناعية صغيرة لتحويل المنتجات النباتية والحيوانية، بما يتيح تثمين المنتوجات المحلية وخلق فرص شغل إضافية، فضلاً عن تحسين ولوج الفلاحين الصغار إلى التمويل من خلال آليات ملائمة مثل التمويل التضامني والمساعدات المباشرة. كما شدد على أهمية الاعتراف بالدور البيئي للفلاحة العائلية، وتثمين مساهمتها في الحفاظ على النظم البيئية ومكافحة التصحر، من خلال إدماج هذه الوظائف في السياسات العمومية ودعم المبادرات التي تساهم في حماية الموارد الطبيعية والبيئة القروية.
تعليقات