آخر الأخبار

بسبب زيان وحرية التعبير… بوعشرين يكشف عن مشاعره “المكتئبة”

نشر الصحفي المغربي توفيق بوعشرين شريط فيديو على صفحته الخاصة، عبر فيه عن حالة من الحزن والكآبة التي استبدت به صباحًا، بعد متابعته لأحداث وصفها بالمحبطة والمخيفة على مستوى العدالة وحرية التعبير في المغرب والعالم المغاربي.
وفي هذا التصريح الذي يلامس فيه بوعشرين مشاعره وتجربته الشخصية، يرصد بأسلوب صادق وحزين كيف أصبح الفكر والرأي في بلداننا المغاربية مطاردَين مثل الجرائم.

وقال بوعشرين إنه استيقظ صباحًا بمزاج معكّر ونفسية حزينة، بعدما تابع حتى ساعة متأخرة من الليل صدور حكم الإدانة في حق النقيب محمد زيان، وذكّره ذلك بتجربته الشخصية المؤلمة في قبو محكمة الاستئناف بالدار البيضاء. وأضاف: “كنت أنتظر هناك، في مكان متّسخ لا هواء فيه ولا طعام، القرار الذي سيحدد مصيري: هل أعود إلى بيتي أم إلى زنزانتي؟”. واستحضر بوعشرين لحظات الانتظار الطويلة خلال المحاكمة، واصفًا إياها بأنها مؤلمة وساخرة في آن، لأن المتهم لا يملك فيها إلا الانتظار في صمت وسط أمل رقيق لا مصدر له سوى التعلق بالرحمة الإلهية.

واسترسل الصحفي المغربي في وصف مشاعره، حين قال إن لحظة صدور الحكم ليست نهاية القصة، بل بداية لمسلسل آخر من الإنهاك، إذ يُعاد الشخص إلى زنزانته وسط حراسة أمنية مشددة تطرح بدورها تساؤلات مريرة: “هل يحمونني من القدر، أم يحرسون الحكم من السقوط؟”.

وتابع متسائلًا عن مغزى الحكم بثلاث سنوات سجنًا في حق رجل يتجاوز عمره الثمانين، معتبرًا إياه حكمًا قاسيًا، لأن يومًا واحدًا في السجن لمثل هذا الشيخ يعادل سنوات من العذاب خارجه. وأوضح أن هذا الحكم لا يمكن فصله عن “المناخ الجاف من الحرية والرحمة والعقل”، والذي لم يعد فيه أحد يفرّق بين القضاء والسياسة، مضيفًا: “هذه صارت من ثوابتنا الوطنية”.

ولم يقف بوعشرين عند حدود المغرب، بل انتقل إلى الجزائر حيث عبّر عن حزنه أيضًا بسبب صدور مذكرة توقيف دولية في حق الكاتب الجزائري كمال داوود وزوجته، بسبب روايته الأخيرة “حوريات”، التي نالت جائزة غونكور الأدبية لعام 2024. وعلّق قائلًا إن السلطة الجزائرية تسعى لخنق كلمات داوود مثلما تُخنق كل محاولات الحفر في ذاكرة العشرية السوداء، مشيرًا إلى أن تهمة “انتهاك الخصوصية” ما هي إلا غطاء لقمع حرية التعبير.

وأردف بوعشرين أن “جيش جارتنا ينزعج من المقالات والروايات أكثر مما ينزعج من الأسلحة”، مضيفًا أن كمال داوود محظوظ لكونه في فرنسا، وإلا لكان قد تقاسم الزنزانة مع الكاتب بوعلام صنصال. واستعاد ما قاله داوود دفاعًا عن نفسه: “كل الناس في وهران يعرفون قصة عربان، إنها قصة عامة، ولم أذكر اسمها ولا تفاصيل حياتها”. كما نقل استنكار دار النشر الفرنسية “غاليمار” لما وصفته بـ”حملات التشهير التي تنفذها وسائل إعلام مقربة من النظام”.

وقال بوعشرين بأسى: “ما زال الناس في المغرب الكبير يُزج بهم في السجون بسبب كلمة أو جملة أو رأي”، مؤكدًا أن ما يخيفه ليس تعدد الآراء بل اختناقها تحت وطأة القمع. وتساءل كيف تسعى الأنظمة إلى سجن الصحافي أو الحقوقي أو المؤرخ دون أن تحرك عاطفة الجمهور، فتُفبرك تهمًا بديلة وتجيّش إعلامًا خاصًا لتحضير الرأي العام لعملية “السلخ”.

واختتم بوعشرين تصريحه مستشهدًا بكلمات الفيلسوف جون ستيوارت ميل: “إسكات رأي، حتى لو كان خاطئًا، هو حرمان للإنسانية من فرصة تصحيحه”. ثم تساءل بأسلوب تعبيري لاذع: “على من تتلو مزاميرك يا ستيوارت؟”، ليُعيد السؤال الذي بدأ به حديثه: “هل يحق لي أن أكتئب أم لا؟”.

المقال التالي