آخر الأخبار

أخنوش ومخطط “أليوتيس”.. ثروات بحرية بين فكي المساءلة والريع

بينما تشتعل وسائل التواصل الاجتماعي بجدل تصريحات كاتبة الدولة في الصيد البحري، يطفو على السطح من جديد ملف مخطط “أليوتيس” الذي يظل لغزاً يحير المراقبين. هذا المخطط الذي استنزف الملايين تحت شعار تطوير القطاع البحري، تحول مع الوقت إلى نموذج صارخ للسياسات العمومية المغلفة بالغموض.

المفارقة تكمن في أن هذا المخطط نجا من أي مساءلة جدية رغم تقرير المجلس الأعلى للحسابات الصادم الذي كشف عام 2019 فشله الذريع في تحقيق أهدافه. فبينما كان من المفترض أن يعزز مكانة المغرب في الأسواق العالمية، شهدت حصته تراجعاً ملحوظاً من 3.3% إلى أقل من 2%. كما لم ينجز سوى ثلث المشاريع المخطط لها، بينما اختفت المليارات في متاهات بيروقراطية لا يعرف أحد كنهها.

اللافت أن عزيز أخنوش، الوزير الأسبق للقطاع ورئيس الحكومة الحالي، تعامل مع كل هذه الانتقادات ببرودة سياسية مفرطة، واصفاً إياها بـ”التشويش” بدلاً من فتح حوار جاد حول إعادة التقييم. هذا الموقف يطرح علامات استفهام كبيرة حول مدى استعداد الطبقة السياسية لتحمل مسؤولية إخفاقاتها، خاصة عندما يتعلق الأمر بملفات حساسة تمس ثروات البلاد البحرية.

الأمر لا يتوقف عند حدود سوء التسيير، بل يتعداه إلى فلسفة المخطط نفسه التي اتسمت بالليبرالية المتوحشة. فبدلاً من تلبية حاجات السوق المحلية، تحول القطاع إلى ماكينة تصدير تعمل لصالح الشركات الكبرى، تاركة المواطن المغربي يعاني من غلاء الأسماك ونضوب الثروة. الصيادون التقليديون كانوا الضحية الأكبر لهذا النموذج الذي صمم بعيداً عن واقعهم واحتياجاتهم.

تصريح كاتبة الدولة الأخير لم يكن سوى القشرة التي تخفي تحتها نظاماً ريعياً متكاملاً. نظام يسمح لمجموعات ضغط قوية بالتحكم في مفاتيح القطاع عبر حصص الصيد والتراخيص، بعيداً عن أعين الرقابة. نظام يحول الثروات الوطنية إلى مكاسب خاصة تحت غطاء المشاريع التنموية.

السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: إلى متى سيظل هذا الملف بمنأى عن النقاش العام الجاد؟ متى سنشهد محاسبة حقيقية للمسؤولين عن إهدار المال العام؟ وكيف يمكن إنقاذ ما تبقى من ثروتنا البحرية قبل فوات الأوان؟

الحقيقة أن مخطط “أليوتيس” لم يعد مجرد برنامج حكومي فاشل، بل تحول إلى نموذج للسياسات العمومية المعيبة التي تفتقر للشفافية والمشاركة والمحاسبة. وهو ما يستدعي وقفة جادة لإعادة النظر في كل السياسات المتعلقة بثرواتنا البحرية قبل أن تصبح أثراً بعد عين.

المقال التالي