البيان الإماراتي يوضح موقفه من الجزائر ويرد على الاتهامات الأخيرة

ليس من عادة دولة واثقة بنفسها أن ترد على الترهات، ولا من شيم الدول الراسخة أن تعير الهياج الصاخب أذنا صاغية. غير أن ما صدر عن القنوات الرسمية الجزائرية، وما سُمي بيانا صحفيا، تجاوزا للغة والمنطق، قد جاوز كل حد وانفلت من عقال المعقول، حتى استحال لزاما علينا أن نرد، لا التماسا لفهم ضائع، ولكن إشفاقا على ذاكرة مبتورة، وتاريخ مهلهل، وهوية تبحث عبثا عن مرآة ترى فيها ذاتها.
إن الهجمة الجزائرية على دولة الإمارات العربية المتحدة لم تبدأ اليوم، ولم تكن وليدة مقابلة صحفية، ولا تحليل إعلامي عابر، بل هي بدأت منذ أن قررت الإمارات، في ممارسة سيادية خالصة، أن تفتح قنصلية لها في مدينة العيون المغربية، دعما لأخوة حقيقية، واعترافا صريحا بحق مشروع في سيادة موصولة بالتاريخ والجغرافيا. ومنذ ذلك الحين، دخل الإعلام الجزائري في نوبة تشنج دائم، باتت فيها الإمارات شماعة لكل فشل داخلي، ومتّكأ لكل خطاب عدواني، لا يصدر عن حكمة، ولا عن تبصر، ولا حتى عن “قداسة ملح” كما يزعم القائلون.
ولأن التاريخ لا يُكتب بالصراخ، فقد وجب التذكير، لمن خانه الحفظ، أو خانه الصدق: أن الجزائر ذاتها ـ التي تسرف في التغني بـالمليون ونصف المليون شهيد ـ لم تكن يوما دولة قائمة بذاتها، بل كانت أرضا متروكة للغزاة، تعاقب عليها المغاربة، والإسبان، والأتراك، والفرنسيون، حتى منحها هذا الأخير – مشكورا غير مأجور – استفتاء سنة 1962 صنع به كيانا اسمه الجزائر. كيان ما يزال، رغم مرور أكثر من ستين عاما، يتلمس هويته في خطابات عاطفية جوفاء، ويستند إلى أرقام شعبوية لم يثبت منها شيء، بدءا بـمليون ونصف شهيد، اخترعها جمال عبد الناصر في لحظة تحريض رومانسي، والتقطها الأشقاء هناك، فأدخلوها في مقررات التعليم، وأقحموها في كل خطاب سياسي، ثم، دون حياء، جعلوها اليوم أكثر من ستة ملايين شهيد!
أيها السادة في الجزائر،
إن الشهادة، في ثقافة الأمم الحرة، ليست للتفاخر بل للتفكر. وهي لا تكون وساما يُلوّح به في وجه الغير، بل مسؤولية تاريخية تحتم على أهلها بناء وطن يرقى إلى تضحياتهم. أما أن يضخم عدد الشهداء كلما نقصت شرعية الخطاب، فذلك عبث لا يليق بشعب كريم، ولا بتاريخ محترم. بل إن من ماتوا، لو عادوا، لسألوا: على أي شيء قُتلنا؟ وعلى يد من؟ وأين ذهبت دماؤنا؟ أفي دولة تقتات على الشعارات، وتهدر فرص التنمية، وتستعدي جيرانها تباعا؟
إن الجزائر التي تتهم الإمارات بغياب التبصر والعقل، هي نفسها التي تدعم الميليشيات في الجوار، وتؤوي الحركات الانفصالية، وتزرع الشقاق في كل ممر، وتناطح المغرب، ليبيا، مالي والنيجر في آن معا، ثم لا تجد حرجا في أن تقدم نفسها واحة للسلام والحكمة!
ثم ما هذه المظلومية الكوميدية التي تدّعونها؟ أحقا استفزكم تصريح صحفي؟ أنسيتم ما تقولونه كل يوم في إعلامكم عن كل دول الخليج؟ وعن المغرب؟ وعن العالم بأسره؟ أليس منكم من قال قبل أشهر إن الإمارات “دولة غرف مظلمة”؟ وإن السعودية “باعت فلسطين”؟ فهل كنا نرد؟ كلا، لأننا نترفع عن المهاترات، ونشتغل بالبناء لا بالسباب.
أما عن دعم الجزائر للإمارات، فدعونا نضحك قليلا. من دعمنا عند التأسيس؟ الجزائر؟ كلا! لقد كان المغرب من أوائل الدول التي اعترفت بدولة الإمارات فور إعلان اتحادها، وسارع إلى إقامة علاقات دبلوماسية معها، وظل سندا لها في المحافل الإقليمية والدولية، حين غرقتم في صراعاتكم الداخلية، تتجادلون: من الأحق بالحكم؟ الكابران أم المجاهد؟ وكنتم يومها منشغلين بالتصفية، لا بالتضامن.
ختاما،
لا يحتاج من بنى أعظم مدينة عصرية في خمسين عاما إلى أن يبرر نفسه لمن لا يزال يستجدي جماجم أجداده من متاحف الغير. ولا يحتاج من امتلك أقوى جواز سفر عربي إلى أن يُقارن بدولة تعيش نصف عام في طوابير الحليب، والنصف الآخر في طوابير الشعارات.
نقولها كما يقول الحكماء:
من لم يُحسن بناء ذاته، فلا يحق له أن ينصّب نفسه قيّما على الآخرين.
والكلمة التي تهوي من شفاه الحاقدين، لن تُنقص من جبال المجد شيئا.
فالإمارات شامخة، لا لأنها تصرخ، بل لأنها تُنجز. ولأن التاريخ لا يُكتب بالصوت، بل بالفعل.
والسلام على من اتبع العقل، لا العويل.
تعليقات