آخر الأخبار

فوز “بنكيران” بولاية رابعة.. دلالات انتخابية في سياق سياسي مأزوم

في خطوة سياسية تحمل في طياتها الكثير من الدلالات، تمكن عبد الإله بنكيران من الفوز بولاية رابعة على رأس حزب العدالة والتنمية بحصوله على نحو 70% من الأصوات، ليعود بذلك إلى واجهة المشهد السياسي، وسط تساؤلات حول رمزية هذا الاختيار وتداعياته على الحزب والمشهد السياسي المغربي ككل.

هذا الفوز يسلط الضوء أولًا على استمرارية الديمقراطية الداخلية في حزب العدالة والتنمية، الذي لطالما عرف بتقاليده الانتخابية التعددية والشفافة، على عكس السائد في كثير من الأحزاب المغربية.

رغم أن المنافسة بين بنكيران وإدريس الأزمي كانت متقاربة، حيث تفوق الأول بفارق بسيط في الانتخابات التمهيدية داخل المجلس الوطني، إلا أن الأجواء الانتخابية مرت في هدوء. لا طائرات للكراسي ولا انشقاقات، بل مجرد نقاشات، شعارات، تصويت، ومن ثم عودة المؤتمرين إلى منازلهم بسلاسة تُحسب للحزب.

ومع ذلك، يكشف هذا الفوز أيضًا عن استمرار نفوذ بنكيران وشعبيته داخل القواعد الحزبية، التي ترى فيه المنقذ بعد الهزيمة المدوية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة. تعبئته غير المباشرة قبل المؤتمر أثمرت بوضوح، حيث اختارت القواعد استمرارية “الزعيم” بدل المجازفة بوجه جديد. ومع ذلك، هذا التصويت يعكس سيطرة العاطفة على القرار، وهو ما يبرز الطابع المحافظ داخل الحزب، الذي يميل إلى الاتكاء على الشخصيات المألوفة بدل المخاطرة بتجديد القيادة.

لكن رغم هذا الدعم الكاسح، يغيب عن المشهد أي نقاش جاد حول البرامج أو الرؤى المستقبلية للحزب. فحتى الآن، لا أحد يعرف بوضوح خطة بنكيران للسنوات الأربع المقبلة. بدلًا من تقديم برنامج سياسي أو استراتيجيات إصلاحية، يعتمد بنكيران على حضوره الخطابي وشعاراته المزاجية التي تستقطب العاطفة أكثر من العقل. هذا النقص في الوضوح لا يعبر فقط عن أزمة داخل الحزب، بل يعكس أيضًا حالة الركود الفكري التي تعانيها الأحزاب المغربية بشكل عام.

الأمر اللافت أيضًا هو أن عودة بنكيران، رغم تجاوزه العقد السابع، جاءت على حساب قيادات شابة كان من الممكن أن تضخ دماء جديدة في الحزب. القواعد الحزبية، التي تعاني بدورها من الإحباط والقلق على مستقبل الحزب، اختارت الأمان بدل التجديد، لتظهر مرة أخرى النزعة العاطفية التي تطغى على اختيارات الأحزاب ذات الطابع المحافظ.

إضافة إلى ذلك، يعكس فوز بنكيران مجددًا استمرار النهج التقليدي في التعامل مع السلطة. الرجل الذي عرف بالتوازن بين التوافق مع السلطة والاحتجاج عليها، يبدو أنه يواصل أسلوبه في الجمع بين الانحناء للعواصف والغضب الموجه عند الضرورة، مع إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة دائمًا. لكن هذا النهج، رغم أنه يتيح للحزب البقاء في المشهد، يطرح تساؤلات حول قدرته على تقديم معارضة فعّالة أو تحقيق تغيير سياسي حقيقي.

في المحصلة، عودة بنكيران إلى قيادة العدالة والتنمية هي أكثر من مجرد حدث داخلي للحزب، بل هي انعكاس واضح للواقع السياسي المغربي. بينما يحتفي الحزب بنزاهة انتخاباته الداخلية، يظل سؤال التجديد القيادي والمضمون الفكري مطروحًا. هل يستطيع بنكيران بحضوره الكاريزمي فقط أن يعيد الحزب إلى الواجهة، أم أن الزمن قد تجاوز خطابه؟

الإجابة على هذا السؤال ستتحدد في السنوات المقبلة، في ظل مشهد سياسي يعاني من الركود والتراجع في ثقة المواطنين بالأحزاب السياسية.

المقال التالي