آخر الأخبار

قضية إختلاس “11 مليار سنتييم”..إحضار إبنة “الوزير” بالقوة العمومية

عادت قضية اختلاس أموال الدعم الفلاحي إلى الواجهة مجددًا، بعد أن أصدر قاضي التحقيق بغرفة جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بفاس قرارًا يقضي بإحضار ابنة وزير أول سابق بالقوة العمومية يوم 30 أبريل الجاري، عقب رفضها المتكرر المثول أمام التحقيقات في واحدة من أعقد قضايا المال العام في السنوات الأخيرة.

بدأت فصول هذه القضية منذ أكثر من عشر سنوات، ضمن برنامج دعم اقتناء المعدات الفلاحية الذي أطلقته الدولة لتعزيز تحديث القطاع الفلاحي. غير أن هذا الدعم الذي كان يهدف إلى تحقيق العدالة المجالية، تحول في بعض جوانبه إلى بوابة لاختلاسات ضخمة، حيث كشفت التحقيقات الأولية للفرقة الوطنية للشرطة القضائية وجود شبكة معقدة نسجت خيوطها حول منح الجرارات والآليات لفلاحين بجهة الشرق وجهة فاس مكناس، عبر فواتير صورية وملفات دعم وهمية.

وفق التحقيقات، تم تقديم هذه الملفات بأسماء فلاحين دون علمهم أو مقابل مبالغ مالية زهيدة، بينما لم تصل المعدات المصرح بها إلى المستفيدين الحقيقيين، بل جرى إعادة بيعها في السوق السوداء عبر شركات صورية.

وتقدر الأموال المختلسة بحوالي 11 مليار سنتيم، مما يعكس حجم التلاعب الذي طال برنامجًا حكوميًا رُصدت له ميزانيات ضخمة.

في ظل تكرار غياب ابنة الوزير الأول السابق عن جلسات التحقيق، جاء القرار بإحضارها بالقوة العمومية ليشير إلى توجه القضاء نحو تطبيق المساءلة.

هذه الخطوة تأتي عقب إصدار غرفة الجنايات الابتدائية حكمًا في جزء من الملف قضى ببراءة 15 متهماً، بعد إعادة تكييف التهم من جنايات إلى جنح وسقوطها بالتقادم، وهو ما أثار ردود فعل متباينة وفتح باب الانتقادات بشأن منهجية التعامل مع قضايا المال العام.

وقد طعنت النيابة العامة والجهة المدنية في الحكم، مؤكدة أن الأمر يتعلق باختلاس أموال عمومية ذات طبيعة جنائية، لا يسري عليها نفس منطق التقادم المعمول به في القضايا العادية، مما يضع القضاء أمام اختبار حقيقي بشأن قدرته على التصدي للفساد المالي دون استثناءات.

تطرح هذه القضية تساؤلات أعمق حول النجاعة المؤسساتية في مراقبة برامج الدعم، ودور الأبناك في تمويل الصفقات المشبوهة، ومسؤولية الإدارات في التحقق من الوثائق والمستفيدين. كما تعيد النقاش حول الحصانة الضمنية التي يتمتع بها بعض الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين، إما عبر النفوذ أو عبر شبكات علاقات تمتد إلى دوائر القرار.

هل نحن أمام قضية فساد ستكشف كل خيوطها أم أن شبكات النفوذ ستتمكن من الالتفاف على المساءلة؟ وهل يكفي الاعتماد على القضاء وحده لضمان نزاهة المال العام، أم أن هناك حاجة إلى إصلاحات عميقة في آليات المراقبة؟

المقال التالي