”العسكر الجزائري” يعزز قبضته على المجتمع المدني عبر قانون التعبئة العامة

يبدو أن السلطة الجزائرية تحاول من خلال المصادقة على قانون التعبئة العامة استغلال الوضع الجيوسياسي المتوتر في المنطقة، لتبرير قرارات تعزز قبضتها السياسية والأمنية على المجتمع المدني الجزائري. ورغم أن النص التنظيمي يُروج له كإجراء طبيعي لتجسيد المادة “99 من الدستور”، إلا أن توقيت إصداره وسياقاته السياسية تعكس استراتيجيات تستهدف تعزيز نفوذ النظام بدلاً من مواجهة تهديدات خارجية ملموسة.
في الوقت الذي تروج فيه السلطة الجزائرية لمبررات خارجية، مثل الوضع في حدود المغرب ومالي، تبدو هذه الحجة ضعيفة، خاصة وأن المواجهات في مالي تقتصر على الداخل المالي. وإذا كان الهدف هو توجيه رسالة قوة، فإن ذلك يتضح في سياق داخلي يُراد فيه تهدئة التساؤلات المتصاعدة حول قدرة النظام على مواجهة التحديات الإقليمية، وسط تراجع الأداء الدبلوماسي الجزائري مع المحيط.
قرار التعبئة العامة في هذا السياق يمثل غطاءً مدنيًا للحد من النشاط السياسي والاجتماعي، حيث يُمكن السلطة من تعطيل أي احتجاجات أو استحقاقات سياسية، مثل الانتخابات، بدعوى الوضع القائم. كما يُستخدم لتعزيز الترتيبات الداخلية، والتي تشمل تغييرات في المناصب العليا لضمان ولاء المؤسسة العسكرية والسياسية.
هذه الخطوة ليست مجرد استجابة لتحديات إقليمية، بل تمثل تمهيدًا لتطويع الوضع الداخلي بما يتماشى مع أجندة النظام. فالسلطة، بدلاً من الانخراط في إصلاحات حقيقية تُعيد الثقة الشعبية، تلجأ إلى إجراءات استباقية تُغلق كل أبواب النقد والتغيير.
وبينما تستغل السلطة المناخ الجيوسياسي السائد لتكريس سيطرتها، يبقى السؤال الأساسي حول مصداقية هذه القرارات، ومدى تأثيرها على مستقبل الجزائر في ظل غياب أي إجراءات حقيقية لمعالجة التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تواجه البلاد.
هذه الخطوة ليست جديدة في التاريخ الجزائري، إذ أعلنت البلاد حالة التعبئة العامة فقط خلال حرب 1967، بينما اكتفت بحالة الحصار العام 1992 خلال الأزمة الأمنية، والتي خُفضت لاحقًا إلى حالة الطوارئ في 1996، واستمرت حتى رفعها في 2011.
وتحمل هذه التطورات إشارات واضحة إلى حرص النظام على تعزيز السيطرة من خلال غطاء مدني يشمل قطاعات مختلفة، مما يُمكنه من مواجهة أيّ تحديات داخلية دون الحاجة لإعلان حالة استثنائية يديرها الجيش.
تعليقات