العوني وعصيد في مواجهة فكرية حول “تازة قبل غزة” ومسألة الأولويات

عاد وسم “تازة قبل غزة” ليحتل واجهة النقاشات على مواقع التواصل الاجتماعي، في سياق مشحون بالتوترات السياسية والتحولات الإقليمية، لا سيما بعد تحقيق إنجازات دبلوماسية جديدة للمغرب في ملف الصحراء المغربية.
هذا الوسم، الذي يبدو ظاهريًا دعوة للاهتمام بالأولويات الوطنية، أثار انقسامًا واضحًا بين المدونين والمهتمين بالشأن العام. فريقٌ اعتبره صرخة مشروعة ضد ما وصفوه ب”تغليب البعض للقضايا المشرقية على حساب قضايا المغرب”، متهمين بعض المتضامنين مع القضية الفلسطينية بتجاهل مكاسب وطنية ذات طابع استراتيجي، في مقدمتها الوحدة الترابية.
في المقابل، يرى فريق آخر أن هذا الطرح ينطوي على خلط خطير بين القضايا، ومحاولة لخلق تناقض مصطنع بين التضامن مع فلسطين والدفاع عن القضايا الوطنية.
وبين هذا وذاك، يبدو أن النقاش حول “تازة قبل غزة” تجاوز مجرد هاشتاغ، ليكشف عمق الصراع بين توجهين فكريين: أحدهما يحذر من ذوبان الوعي الوطني في موجات الإيديولوجيا المشرقية، وآخر يتشبث بروح التضامن الأممي كامتداد طبيعي للنضال من أجل الحرية والعدالة.
وفي خضم هذا الجدل، حصل موقع “مغرب تايمز” على رأيين متقابلين حول هذا الموضوع، من خلال تصريحات لكل من الإعلامي والناشط الحقوقي محمد العوني، والمفكر والباحث أحمد عصيد، اللذين عبّرا عن مواقف متباينة تعكس تنوع زوايا النظر لهذا الإشكال.
في هذا الإطار قال محمد العوني: “أولا هاد النوع من المقولات التي اصبحت منتشرة، كتازة قبل غزة، هو نوع من الخلط في التفكير والتحليل، فليس هناك مجال لإقامة تراتبية وأولوية بين غزة وتازة، القضايا المغربية والقضية الفلسطينية لا يمكن إجراء ترتيب بينهما، وهذه معضلة في التفكير الخاص بالعالم المتخلف”.
وأضاف: “إذا لا يمكن أن نرتب بين قضايا مغربية وقضايا إنسانية أو أخرى لها بعد إقليمي، فالمناضل السياسي مطلوب منه كلما كانت لحظة معينة أن يتفاعل مع هذه القضية، في حالة التظاهر مثلا لصالح القضية الفلسطينية أو لصالح قضية الديمقراطية في المغرب، فطبعا ذلك المناضل يمكنه أن يشارك في المظاهرتين”.
وأكد العوني أن: “المغاربة قرروا سياسيًا ووجدانيًا وفكريًا أن القضية الفلسطينية هي قضية وطنية، وهذا الشعار لم يأتِ هكذا، بل أتى لأن المغاربة ارتبطوا بمعارك التحرر في المنطقة ككل وارتبطوا بالقضية الفلسطينية من عدة أبعاد، ومن أبرزها التحرير من الاستعمار”.
وختم بالقول: “أكيد أن مقولة تازة قبل غزة جاءت من أجل خلط الأوراق ومحاولة تبرير التطبيع، ويبررون ذلك بأن فلسطين بعيدة عنا، ولدينا قضايانا الوطنية والمهمة… والعجيب أن أغلب هؤلاء الذين يدعون إلى هذا الطرح، عندما تأتي القضايا المغربية ‘قضايا تازة’ لا يقفون معها، تجدهم فقط يقدمون هذا الترتيب الفاسد فقط لتمرير خطاباتهم والتشكيك في انتماء المغاربة للقضية الفلسطينية، والأمر له تاريخ وله حاضر ولذلك هذا غير بعيد على التغلغل الصهيوني الذي يفرق، ليس فقط في المغرب. إذا لا يمكن فهم مدى خطورة هذا الترتيب دون ربطه بما سبق للصهيونية أن قامت به لا في المغرب ولا في المنطقة العربية…”.
من جهته، قال الباحث أحمد عصيد: “الإيديولوجيات الأجنبية كانت في وقت ما سيطرت في بلادنا وخاصة القومية العربية والإسلام السياسي، هاتان الإيديولوجيتان الأجنبيتان، جعلتا وعي الكثير من المغاربة يتجه نحو المشرق، ولا يهتم كثيرًا بما هو وطني، لدرجة أن معرفتهم ببلدان الشرق كانت أكثر بكثير من معرفتهم بتاريخ بلدهم وبوطنهم”.
وأضاف: “وفي خضم هذه الأحداث، الأخيرة التي عرفتها منطقة الشرق الأوسط وخاصة حرب غزة، عادت تلك الإيديولوجيات القديمة لتسيطر مرة أخرى ومن هنا لاحظنا أن التضامن مع غزة كان تضامنًا يتجاوز الوطن، أي أنه ليس تضامنًا انطلاقًا من الوطن في اتجاه الآخر، بل العكس كان تضامنًا انطلاقًا من الشرق من الإيديولوجيات الشرقانية، ولهذا لا يهتمون بالقضايا الوطنية، كما أنهم في أحيان كثيرة ينسون القضية الأساسية عندهم التي هي القضية الفلسطينية، ويصبح همهم التهجم على الشخصيات المغربية وعلى الدولة المغربية، وهنا وقع انحراف في التضامن مع فلسطين”.
وتابع عصيد قائلاً: “من أجل ذلك دعوت شخصيًا إلى تخليق الخطاب حول فلسطين، لأنه أصبح يستعمل الإشاعة، أصبح يستعمل الكذب، وأصبح يستعمل التشهير، ضد الأشخاص وضد الدولة، ولهذا دعوت إلى التخليق، لا بد من تخليق الخطاب حول فلسطين لكي يكون تضامنًا إنسانيًا، فكلنا متضامنون مع فلسطين، ولكننا نتضامن معها انطلاقًا من بلدنا ومن كوننا مغاربة وليس شيئًا آخر”.
وأكد أن: “الإيديولوجيا الإخوانية نجحت في أن تجعل بآليتها الإعلامية وخاصة قناة الجزيرة في قطر، من حماس هي القضية الفلسطينية، بمعنى أن تختزل القضية في حماس وهذا غير صحيح، فحماس ليست سوى مكون من المكونات والقضية الفلسطينية أكبر بكثير من حماس، وأيضًا لا يمكن لنا التضامن بدون نقد، نحن نتضامن مع فلسطين ولكن نتضامن أيضا بحس نقدي، لدينا وعي نقدي، نعرف أخطاء المقاومة ونتحدث عنها، وهناك من لا يريد ذلك لأسباب إيديولوجية”.
وختم أحمد عصيد بالقول: “لهذا أعتقد أنه لا ينبغي للقضية الفلسطينية أن يكون لها آثار سلبية على قضايانا الوطنية وخاصة قضية الصحراء التي هي القضية الأولى بالنسبة للمغاربة، فنتضامن أولًا من أنفسنا ثم نتضامن مع غيرنا أيضًا”.
خالد أفرياض
تعليقات