“200 ألف” ملف قضائي يهدد الإدارة المغربية

تواجه الإدارة المغربية تحديات غير مسبوقة بسبب التزايد المستمر لمنازعات الدولة، التي أصبحت تشكل عبئاً قانونياً ومالياً كبيراً يُعيق تنفيذ المشاريع العمومية الكبرى، ويضعف ثقة المواطن والمستثمر.
هذا الوضع الخطير استعرضته نادية فتاح العلوي وزيرة الاقتصاد والمالية خلال الكلمة الافتتاحية في المناظرة الوطنية الأولى حول “تدبير منازعات الدولة والوقاية منها”، المنعقدة يوم الثلاثاء 15 أبريل 2025.
حيث قدمت الوزيرة أرقاماً صادمة تُظهر أن عدد القضايا الجديدة التي أحيلت إلى الوكالة القضائية للمملكة تضاعف تقريباً خلال السنوات العشر الأخيرة. ففي عام 2014، سجلت الوكالة 14,505 قضية، بينما تجاوز الرقم 21,000 قضية في عام 2024، ما يُمثل زيادة تفوق 100%. ومع ذلك، فإن هذه القضايا لا تمثل سوى ثلث حجم المشكلة، حيث تستقبل المحاكم الإدارية ما يقارب 60,000 قضية سنوياً. ويُقدر إجمالي الملفات التي تُعالجها الوكالة القضائية بأكثر من 200,000 ملف.
هذا الضغط القضائي يُلقي بظلاله الثقيلة على المالية العامة للدولة، من خلال تكلفة التعويضات والغرامات وأتعاب المحامين، إضافة إلى التعطيل المحتمل للمشاريع التنموية الكبرى. ورغم ضخامة المشكلة، لا تزال آليات الوقاية والتسوية المبكرة للنزاعات شبه غائبة أو غير فعالة.
وللتعامل مع هذا الوضع المتأزم، كشفت الوزيرة عن خطة استراتيجية للفترة 2024-2028 تهدف إلى عقلنة تدبير المنازعات والوقاية منها. تشمل هذه الخطة خمسة محاور رئيسية، أبرزها توحيد منهجية إدارة المنازعات عبر مركزتها في الوكالة القضائية، وإنشاء شبكة وطنية لتنسيق الدفاع عن مصالح الدولة.
كما دعت إلى استباق النزاعات من خلال المواكبة القانونية أثناء صياغة العقود والقرارات الإدارية، بهدف تقليل المخاطر المحتملة.
من بين الخطوات الأخرى، اقترحت الوزيرة إرساء منظومة لليقظة القانونية تسمح بتتبع القضايا والتحكم في المواعيد القانونية للطعن. كذلك، شددت على ضرورة تعزيز القدرات البشرية والمؤسساتية للوكالة القضائية لتصبح مركزاً وطنياً للخبرة القانونية. ولم تغفل الوزيرة أهمية إصلاح الإطار القانوني المنظم للوكالة القضائية، والمراجعة الشاملة للنصوص المتعلقة بنزع الملكية والملك الخاص للدولة، باعتبارها من أبرز مصادر المنازعات.
ورغم أن هذه الخطة تبدو شاملة وواعدة على الورق، يبقى التنفيذ الفعلي هو التحدي الأكبر. الوضع الحالي يتطلب إرادة سياسية قوية وإصلاحات جذرية تمس جوهر النظام القانوني، وليس مجرد تحسينات شكلية. غياب آليات وقائية فعالة واستمرار التعثر في تسوية النزاعات مبكراً يُهددان بكلفة مالية أكبر وتفاقم الأزمة، ما يضع مستقبل المشاريع التنموية الكبرى على المحك.
بغض النظر عن الوعود والخطط، يبقى السؤال الذي يطرحه المواطن والمستثمر: هل تُترجم هذه الإجراءات إلى واقع يُعيد للإدارة مصداقيتها؟ أم أن الحلقة المفرغة للمنازعات القضائية ستبقى تُهدد المال العام وثقة المواطن والمستثمر على حد سواء؟
تعليقات