الفساد يطلب توضيحاً!!

أخشى أن يرفع بنا الفساد دعوى قضائية، إننا نتقاذفه كما يتقاذف الأطفال كرة مملوءة بالريح، ثم نتساءل بدهشة: كيف وصل إلى هنا؟ كيف صار بين أيدينا كقدر محتوم، كقدر أسود لا ينتهي؟
هو الآن لا يعرف من يصدق، من خانعه ومن خانه، من سرقه ومن استعمله كواجهة.
لا يعرف حتى من استوردوا باسمه اللحوم والأبقار، وكم كان العدد! بين الأرقام حائر، وبين الأوهام غارق، وحده يعرف أن الأغلبية التي ائتمنها على سره تخلت عنه، لفظته كما تُلفظ العلكة بعد فقدان نكهتها.
حتى المعارضة، التي كانت تمارس عليه طقوس الهجوم اليومي، أشفقت عليه وسترته، إلى أن تم فضحه، وهنا تحول الفاضح إلى متهم.
هو الآن يريد فقط صك البراءة، لا يبحث عن اعتذار، لا يطالب بشفقة، فقط يريد أن يعرف الحقيقة.
من قبض باسمه؟ من راوغ باسمه؟ من لعب بأحلام الجائعين باسمه؟ الفساد نفسه يقسم أنه كان أكثر وطنية منهم جميعًا، وأنه لو تُرك له القرار، لكان سعر اللحم في متناول الجميع. لكنه ليس إلا بضاعة في يد تجار السوق، يحتجزونه في ضيعات مظلمة، يتحكمون فيه كما يتحكمون في لعبة سياسية رخيصة.
حين أقبل العيد، ناشدهم أن يطلقوا سراحه، أن يتركوه يفي بوعده، لكنه أدرك متأخرًا أنه لم يكن سوى رقم في لعبة كبرى، رقم بلا روح، بلا صوت، بلا حيلة.
الفساد أقسم أنه لم يكن يومًا جلادًا، بل كان ضحية لمضاربين أكبر منه، مضاربين لا يكتفون بالربح، بل يريدون كل شيء.
الفساد، وهو الفساد، بكى من قسوتهم.
هو الآن يطلب فقط أن تتفقوا على الرقم. هل العدد 18؟ أم 100 ؟ لا يريد شيئًا سوى أن يعرف الحقيقة، أن يواجههم، أن يفضحهم.
لكنه يعرف أيضًا أن الحقيقة ليست سوى بضاعة أخرى، تُباع لمن يدفع أكثر.
البرلمان؟ البرلمان يحقق في كل شيء، إلا في الأرقام. الأرقام هناك لها ذاكرة قصيرة، لا تتذكر إلا ما يُناسب السادة، أما الفقراء، فيكفيهم أن يتذكروا رقم حسابهم البنكي، ذلك الصفر المستمر.
حتى “المخطط الأخضر”، تلك الأسطورة التي بيعت لنا كخلاص، وقف ضاحكًا في وجهه، ساخرًا كعادته، وهو يقول: “دخلتُ البرلمان منذ ثلاث سنوات، ولم أخرج بعد، فلماذا تبحث عن مخرج؟”.
بل نُبه إلى أن رئيس البرلمان نفسه قد برّأ الأرقام، ونفى عنها تهمة الـ 13 مليار درهم، وكأنها لم تكن يومًا، وكأن المال يتبخر حين يلمسه السياسيون.
هو الآن لا يريد أن يعيش أجواء العيد متهمًا. رجاءً، حرّروه من هذه الاتهامات، واتركوا المواطنين يقضون العيد بسلام، على الأقل دعوهم يأكلون الوهم وهم يصدقون أنه لحم.
وفي النهاية، كما في كل مرة، ستتغير الوجوه، ستتغير الأرقام، لكن الأزمة ستبقى كما هي، تتوارثها الحكومات كما يُورّث العار، وتُخبّأ تحت السجادة كلما حان موعد الانتخابات.
وكل عيد، ونحن نقتسم الغلاء كما نقتسم التهاني.
د.عبد الرحيم بوعيدة
أستاذ جامعي
تعليقات