نقيب المحاميين “الجامعي” يعدد نواقص مشروع “قانون المسطرة الجنائية”

خلال مناقشته لمشروع قانون المسطرة الجنائية، اعتبر النقيب عبد الرحيم الجامعي أنه موضوع لن تنتهي مناقشته اليوم أو غداً، سواء تم التصويت عليه بالإجماع أو بالأغلبية أو حتى من قِبل برلماني واحد أو 395 برلمانيا، مؤكدا “النتيجة واحدة: هذه المسطرة صدمت المجتمع والمشتغلين في المجال القانوني، وستخلق سخطا حقوقيا عند تطبيقها”.
وتابع الجامعي، في لقاء نظمه قطاع المحامين لحزب التقدم والاشتراكية بالدار البيضاء، “لقد انتظر المجتمع المغربي أكثر من 15 سنة بعد إقرار الدستور، وأكثر من 10 سنوات بعد انتهاء أشغال هيئة إصلاح منظومة العدالة، دون تسريع الإصلاحات القانونية المرتبطة بالعدالة الجنائية، وذلك لأسباب سياسوية”، متسائلا “لماذا صمتت الحكومات المتعاقبة عن تسريع التشريع الجنائي؟”.
ولفت إلى أنه من بين العيوب السياسية الضخمة ببلادنا هو التراجع عن مشاريع قوانين طرحت منذ عام 2013، إذ تأتي الحكومات المتعاقبة لتتراجع عنها، فهل سيتم التراجع عن هذا النص أيضًا رغم بدء مناقشته؟، هناك مخاوف من أن يتم تأجيل المشاريع وإيداعها في “مقبرة” الأمانة العامة للحكومة.
وشدد “نحن بحاجة إلى عدالة تؤطرها قوانين حديثة وديمقراطية تساهم فيها جميع الفئات، لصناعة التشريع، وخاصة التشريع الجنائي”، مضيفا أن وزير العدل صرّح بأن من ساهموا في إعداد هذا المشروع هم الحكومة، الأمن، إدارة السجون، رئاسة الحكومة، وزارة العدل، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان. لكن أين القضاة؟ أين المحامون؟ الوزير يقول إن المحامين سيناقشون المشروع لاحقًا، لكن لماذا لم يكونوا جزءًا من عملية الإعداد؟ هذا يعني أن المشروع تم إعداده بعقلية سياسية وأمنية، وليس بعقلية حقوقية وقضائية”، مؤكدا “عندما أقرأ هذا النص، أشعر بالألم، لأن وجهات النظر فيه محدودة”.
وأبرز النقيب أن قرينة البراءة تعرضت لتغيير جوهري، وبدونها لن يكون مشروع قانون المسطرة الجنائية ولن تكون حقوق إنسان في البلاد، مضيفا أنه في القانون الجنائي السابق، كانت قرينة البراءة في الباب الأول، لكنها في المشروع الجديد فقدت مكانتها، مما يثير تساؤلات حول قيمتها الحقوقية والسياسية والدولية. مشددا لا يمكن إسقاط قرينة البراءة لأنه، حتى لو تم تعديل موضعها، فهي لن تسقط في القناعات الحقوقية والثقافية والقضائية والدستور نفسه يضمنها، وبالتالي كان على المشروع أن يحتفظ بموقع قرينة البراءة.
وأشار النقيب إلى النقطة المتعلق بالإثبات، إذ لدينا مشكلة في العدالة الجنائية تتجلى في محاضر الشرطة القضائية والدرك الملكي. فهذه المحاضر هي الوسيلة الأساسية التي تستند إليها المحاكمة، لكنها تُحرر خارج الرقابة، وغالبًا ما يتم التوجيه فيها عبر التعليمات الهاتفية بين النيابة العامة والضابطة القضائية.
وأضاف أن القانون الحالي ينص على أن الاعتراف المنتزع بالإكراه لا يُعتد به، لكنه لا ينص بوضوح على بطلان المحضر في حال ثبوت التعذيب. يجب أن يكون هناك نص صريح يقضي ببطلان المحضر في مثل هذه الحالات.
وأورد الجامعي أن الاعتراف لا ينبغي أن يكون “سيد الأدلة”، كما كان يُعتقد في السابق. اليوم، يعتمد كشف الجرائم على العلم والطب الشرعي والأدلة الجينية والبصمات. دول متقدمة تمكنت من كشف جرائم تعود لعقود بفضل الأبحاث العلمية، وليس بناءً على اعترافات انتُزعت بالإكراه.
وواصل النقيب أن النقطة الثالثة تتعلق بمؤسسة النيابة العامة، التي منحها المشروع قوة غير مسبوقة، حيث أصبحت تتحكم في مجريات المسطرة الجنائية على حساب قضاء التحقيق، مفيدا أن هذا الوضع غير مقبول في دولة ديمقراطية تحترم فصل السلطات. لا يمكن القبول بأن تتحكم النيابة العامة في توصيف الجرائم وإحالتها على المحاكم الجنائية أو الابتدائية دون إمكانية مراجعة القاضي لهذا التكييف.
وأشار إلى أن النيابة العامة مُنحت سلطة واسعة في تحريك الدعاوى، في حين تم تقييد دور المجتمع المدني في تقديم الشكايات أمام القضاء. هذا يتناقض مع دور الجمعيات الحقوقية والصحافة في كشف الجرائم، كما يحدث في الدول الديمقراطية حيث تلعب هذه الجهات دورًا رئيسيًا في تحريك الدعاوى ضد الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان.
في فرنسا، كانت الصحافة والمنظمات الحقوقية وراء محاكمة مسؤولين كبار، بما في ذلك رؤساء دول مثل ساركوزي وشيراك. وفي بلجيكا، تم منع تصدير الأسلحة بناءً على شكايات المجتمع المدني. لكن في المغرب، نجد تقييدًا لدور الجمعيات في التقاضي، مما يتنافى مع الدستور الذي يعترف بدور المجتمع المدني في اقتراح القوانين وتتبع تنفيذها.
وأبرز أن هذا المشروع يثير قلقًا كبيرًا بشأن استقلالية القضاء وضمانات المحاكمة العادلة. لا يمكننا السماح بإقرار نصوص تُضعف حقوق المتهمين وتعزز سلطات النيابة العامة على حساب قضاء التحقيق. نحن بحاجة إلى إصلاح عميق لمنظومة العدالة، وليس مجرد تعديلات شكلية تعيد إنتاج نفس الإشكاليات السابقة.
تعليقات