آخر الأخبار

سينما السلام ذاكرة أكادير وأيقونة حي الباطوار

 تُعَدُّ “سينما السلام” في أكادير من المعالم التاريخية البارزة التي شهدت على ذاكرة المدينة. ورغم إغلاقها، ما تزال سينما السلام تحمل مكانة خاصة في قلوب سكان أكادير، وحيزا معتبرا في وجدانهم لارتباطها الوطيد بتاريخ أكادير، وبأعظم حدث شهدته المدينة زلزال 1960. وهو ما جعل سكان المدينة يتشبثون بآمال كبيرة في إعادة إحيائها كمركز ثقافي وترفيهي للأجيال القادمة.

تأسست سينما السلام عام 1946، وكانت من المباني القليلة التي صمدت أمام زلزال عام 1960، حيث كان بعض السكان يشاهدون فيلماً داخلها لحظة وقوع الزلزال في ثاني يوم من رمضان. وعند خروجهم وجدوا المدينة قد تحولت إلى أنقاض، بينما بقيت السينما صامدة. ومن الحكايات التي رواها من كانوا داخل السينما ونجوا من الزلزال، أن البعض شاهد فيلم الرعب “غونزيلا” الذي يحكي قصة وحش ضخم وكبير، يقوم بتدمير مباني المدينة ويبتلع سكانها. وحين خروجهم من السينما ليلا والرعب يتملك قلوبهم ويسكن عقولهم، وقفوا على مشاهد الدمار الذي خلفه الزلزال، واعتقدوا أن وحش “غونزيلا” خرج معهم من السينما وهو من أحدث كل ذلك الدمار.

على مدى عقود، كانت “سينما السلام” وجهة مفضلة لسكان أكادير لمشاهدة العروض السينمائية، حيث كانت توفر عرضين يومياً، في الثالثة بعد الظهر والتاسعة مساءً. أتذكر أن أول مرة أدخل لقاعة السينما وأنا صبي، في سبعينيات القرن الماضي، كانت رفقة صديقي حميد، وكان الفيلم يدور حول حياة الديناصورات. كانت أغلب الأفلام التي تلقى اهتماما كبيرا، هي الأفلام الهندية، حتى صار الشباب يحفظون كلماتها وكأنهم ازدادوا في قصر “تاج محل”.

ورغم هذا التاريخ الحافل بالعطاء، أُغلقت السينما أبوابها منذ حوالي عشر سنوات، لتنضم إلى قائمة القاعات السينمائية التي توقفت عن العمل في أكادير وفي المغرب.

في السنوات الأخيرة، أُثيرت مخاوف بشأن مصير هذه المعلمة التاريخية، خاصة بعد بيعها لمنعش عقاري، مما أثار قلق السكان من احتمال هدمها وإقامة مشاريع سكنية مكانها. ومع ذلك، في خطوة إيجابية، تم تحويل ملكية “سينما السلام” إلى جماعة أكادير، بهدف الحفاظ عليها وترميمها كجزء من تراث المدينة.

وها هي ساكنة أكادير، تستبشر خيرا بمشروع تأهيل السينما التاريخية لتصير مركزا ثقافيا حيويا، نتمنى أن يساهم في تنشيط الحياة الثقافية والفنية في المدينة. ويروم المشروع إلى تحويل الفضاء الخارجي للسينما إلى أماكن خضراء مفتوحة ومنسجمة مع محيطها. إضافة إلى ترميم واجهتها الخارجية، لجعلها أيقونة معمارية، يستعيدها حي الباطوار، ويحتضنها كما كانت في السابق قبل الزلزال.

تُعتبر “سينما السلام” رمزاً لصمود أكادير وعنوانا لذاكرتها الثقافية، والقلب النابض لحي الباطوار. ويأمل السكان في إعادة إحيائها لتستمر في أداء دورها كمركز ثقافي وترفيهي وفني للأجيال القادمة، لتبقى تمثل جزءً مهمًا من تراث أكادير الثقافي. فتأهيل سينما أكادير لتصير مسرحا ثقافيا وفنيا، سيجعلها الخيط الناظم بين أكادير الحضارة والتاريخ، وأكادير المستقبل الواعد.

 سعيد الغماز

المقال التالي