آخر الأخبار

في أكادير..حزب الأحرار يناقش غلاء الأسعار

   نظمت التنسيقية الإقليمية أكادير إداوتنان لحزب التجمع الوطني للأحرار، لقاء عموميا تحت عنوان: ارتفاع الأسعار بالمغرب.. الأسباب وسبل تحقيق الاستقرار الاقتصادي. سأستعير لغة المحاماة لمناقشة ما دار في اللقاء. من ناحية الشكل، لا يسعنا إلا أن ننوه بهذه المبادرة التي تعتبر من صلب العمل السياسي لأي حزب. فالحزب الذي يحترم مهمته التي ينص عليها الدستور، مطالب بعقد اجتماعات عمومية لشرح سياسته وآرائه وقراراته إن كان في موقع القرار. وقد جند الحزب لهذا اللقاء، مؤطرين من النواة الصلبة للحزب حيث أسند مهمة الحديث عن موضوع الغلاء للسيد رئيس الغرفة الفلاحية بجهة سوس ماسة، والسيد رئيس غرفة الصيد البحري الأطلسية الوسطى.

أما من ناحية المضمون، فمن تابع اللقاء وهو يجر ورائه تاريخا في الممارسة السياسية، وتشبع بروح العمل الحزبي، فإنه يلتبس عليه الأمر بخصوص هذا اللقاء الذي بدا فيه حزب الأحرار، لا يتحدث مع العموم بقدر ما يتحدث مع نفسه. جميع المداخلات كانت خالية من المعاناة التي يشتكي منها المواطن البسيط، ولا وجود لخطاب الدولة الاجتماعية الذي يتبناه الحزب المنظم للقاء.

الحزب الذي يرأس الحكومة ويرفع شعار “الدولة الاجتماعية”، يجب أن يترجم هذا الشعار في خطابه، ويبدي نوعا من التعاطف مع الطبقات الشعبية، ولو من باب المواساة والتضامن والإحساس بمعاناتها مع غلاء الأسعار، وما يترتب عن تلك المعاناة من شروط معيشية قاسية ومؤلمة. فلا وجود لخطاب “الدولة الاجتماعية” في هذا القاء وكأن خطاب الحزب في واد، وخطاب الحكومة في واد آخر.

لم يكن اللقاء فضاء للنقاش حول قضية تمس جيوب الفقراء والضعفاء قبل غيرهم، بقدر ما كان عبارة عن قاطرة تسير في اتجاه واحد: غلاء الأسعار سببه الوسطاء وبلغة الفقراء “الشناقة”، والغلاء ليست الحكومة هي المسؤولة عنه ولا ينبغي تحميل السيد رئيس الحكومة مسؤولية هذا الغلاء. انغمس اللقاء في هذا التوجه حتى بلغ قاع النهر، ورمى بالمسؤولية في الغلاء إلى الوسطاء والتاجر الذي لا يُشهر الأثمان، بل وحتى المستهلك. علما أن هذا الأخير هو الحلقة الضعيفة في سلاسل التوريد.

أمام هذا المشهد السريالي، لحزب يقود الحكومة، ولا يريد قول الحقيقة، أصبح المستمع البسيط يفهم أن هناك دولة يرأس حكومتها السيد عزيز أخنوش، وهناك دولة أخرى يرأس حكومتها الوسطاء والشناقة. فحين نسمع السيد رئيس الغرفة الفلاحية يقول “خاص واحد العمل إِدَّارْ من أجل تقنين الوسطاء” ماذا تريدون أن نفهم.

وحين يقول السيد رئيس غرفة الصيد البحري “أليوتيس جاب واحد العدد ديال الأمور لي لمسها المستثمر في القطاع” ويعترف أن المواطن البسيط قد لا يلمس ما يقوم به مشروع أليوتيس. ماذا ستفهم الطبقات الاجتماعية من هذا التصريح. ومرة أخرى نكتشف أن حزب السيد رئيس الحكومة، لا يملك خطاب “الدولة الاجتماعية”، فكيف يمكنه أن يدعي أنه يحمل برامج للطبقات الشعبية.

تحدث السيد رئيس الغرفة الفلاحية عن المخطط الأخضر، وبسط منهجية علمية في تقييم مخطط خلق لغطا كبيرا وعظيما في مجتمعنا. أقول عظيما لأنه مخطط مرتبط بالسيد رئيس الحكومة الحالية سي عزيز أخنوش. المنهجية العلمية التي اعتمدها السيد الرئيس تقوم على أساس مبدأ بسيط وواقعي: مقارنة حال القطاع في 2010 وحاله في 2020. ليخلص المتحدث إلى أرقام تجعل من المخطط أنجح مخطط ليس في المغرب، وإنما في العالم برمته. التصدير ارتفع ب140% والإنتاج الفلاحي تضاعف. ما أثارني في هذا التحليل هو أنه يتحدث عن فترة ترأس فيها حزب العدالة والتنمية الحكومة. وهي الفترة التي يصفها الحزب بالعشرية السوداء، أما السيد رئيس الحكومة فهو يعتبرها فترة أَخَّرَت البلاد، وحكومته تعمل على معالجة مخلفاتها.

يبدو أن واقع الحال يفرض على حزب الأحرار تطوير خطابه السياسي، إن أراد كسب المصداقية وتجنب الوقوع في هكذا إحراج. فالبلاد وصلت لما وصلت إليه بتراكم مجهودات الحكومات من حكومة سي عبد الله إبراهيم حتى حكومتي العدالة والتنمية، مرورا بحكومة سي عبد الرحمان اليوسفي، دون أن ننسى حكومة سي جطو وسي عباس الفاسي. هذه هي نقطة ضعف حزب الأحرار في مجهوده التواصلي، إن لم يتداركها وبقي محصورا في جلبابه الحزبي متنكرا لباقي الأحزاب التي ترأست الحكومات السابقة، فالأكيد أن رأسه سيبقى عالقا في قب الجلباب.

لكن ما يثير الاستغراب، هو تنكر الأستاذ الجامعي مسير اللقاء، لتكوينه الأكاديمي. ففي مقدمته الأكاديمية المتميزة والجميلة، تحدث السيد مسير اللقاء عن الخيار الاقتصادي الذي اختارته بلادنا، وهو الاختيار الليبرالي مع السماح للدولة بالتدخل لحماية مواطنيها. لكنه حين شرع في الحديث عن صلب موضوع اللقاء وهو ارتفاع الأسعار، تنكر لتكوينه الأكاديمي وسار في تعويم الأسباب الحقيقية للغلاء بالحديث عن التكلفة وقيمة العملة والطلب والوسطاء والتضخم العالمي. والأكيد أنه يعرف جيدا أن الغلاء الذي ضرب جيوب الفقراء، سببه الرئيسي هو تضارب المصالح وهو المسكوت عنه في هذا اللقاء. فلا يوجد متخصص يحترم تكوينه الأكاديمي، يمكنه اعتبار تضارب المصالح ليس من الأسباب الرئيسية للاحتكار، وغياب الشفافية، وضرب المنافسة عرض الحائط، وهي عوامل كافية لشعل لهيب “العافية” في الأسعار.   

أن تكون متحزبا لا يعني الانغماس في الحزبية لدرجة التنكر للنظريات الاقتصادية والتكوين الأكاديمي. فإذا تعارضت توجهات الحزب الذي يقود الحكومة مع الدرس الأكاديمي، فالمتحزب الأكاديمي عليه أن ينتصر لتكوينه الجامعي، وليس لقرارات وتوجهات الحزب.     

في الأخير سأتحدث عن مداخلات الحضور وهي بمثابة حبة الكرز فوق قطعة الحلوى. سأخص بالذكر متحدث قدم نفسه أنه يساري وآخر فاعل مدني. بالنسبة للأول أشاد بجرأة الحزب في الخروج للحديث مع العموم حول موضوع كبير، وأنه أُعجب بما تم تداوله في اللقاء وأحجم عن الحديث في نقاط أعدها سلفا، لأن اللقاء ساهم في تغيير موقفه. لا علم لي بوجود يساري يُحَمِّلُ الطبقات الشعبية مسؤولية الغلاء، وينتصر للوبيات الاحتكار وتضارب المصالح. لم يقف المتدخل عند هذا الحد، بل استخدم بذور اليمين في تربة اليسار، فقال إن أكادير تطورت كثيرا بمجهودات السيد رئيس المجلس الجماعي، علما أن اليساري يسند الأمور للكُل المتجسد في المجلس الجماعي، وليس للفرد الذي اختزله المتحدث في رئيس المجلس السيد عزيز أخنوش. كيف بيساري يتجاهل حقبة ثلاثة عقود كان اليسار هو المتعاقب على تسيير المدينة؟ علما أن تلك المرأة التي تقطن في سفوح الجبال، تعلم جيدا أن تلك المشاريع هي مشاريع ملكية، وتُسائل المجلس الجماعي ماذا قدم للمدينة خارج المشاريع الملكية؟ لا علم لي بوجود يسار يحمل منطق اليمين، ربما هناك توجه جديد ظهر في هذا اللقاء هو يسار الأحرار. قد لا يفهم البعض هذا الكلام، لكن في بعض الأحيان عدم الفهم يكون أفضل وأريح لعقولنا.

سأختم بمتدخل قدم نفسه أنه فاعل جمعوي، لكن مداخلته بعيدة عن العمل المدني وغارقة في الحزبية. هل الفاعل المدني ينوه بخرجة الحزب ويوحي بأن باقي الأحزاب في التحالف الحكومي غائبة والساحة فارغة وحزب الأحرار وحده يتحرك في هذه الساحة. أن يدافع مناضل الأحرار عن حزبه شيء عادي بل مطلوب، أن يتحول فاعل جمعوي إلى منبر إعلامي لحزب معين، فهذا غير مقبول لأن فيه إساءة للعمل الجمعوي، ولخبطة مرضية في الممارسة السياسية.

أعتقد أن حزب التجمع الوطني للأحرار، أمامه عمل كبير للتواصل مع ذاته أولا، والتصالح مع السياسة بمفهومها النبيل ثانيا، قبل التواصل مع المواطن. دون ذلك سيبقى حزبا يعاني من إعاقة تواصلية ولو تمَلَّك جل المنابر الإعلامية. فالتواصل يبدأ بالمصداقية وينتهي بالصراحة عبر جسر قول الحقيقة.    

 سعيد الغماز كاتب وباحث

المقال التالي