سببان وراء صعود وهبوط امبراطور الاتصالات أحيزون

بعد تخلي مجلس الرقابة لشركة اتصالات المغرب، عن خدمات عبد السلام أحيزون، يطرح الرأي العام تساؤلات حول هذا القرار: هل هو إعفاء أم أن الأمر يتعلق فقط بنهاية ولاية أعضاء مجلس الإدارة الجماعية الذي يترأسه أحيزون، في فاتح مارس المقبل، كما جاء في بلاغ المجلس. في هذا المقال، سنحاول أن نجيب عن هذا السؤال انطلاقا من سببين. الأول ساهم في صعود نجم أحيزون ومكوثه على رأس الشركة 27 عاما. والثاني متعلق بتراجع أسهم الرجل الأول في الشركة، خاصة لدى المستثمر الرئيسي أي الشركة الإماراتية.
تاريخ أحيزون في قطاع الاتصالات المغربي يمكن أن نقسمه إلى مرحلتين: مرحلة الاتصالات كقطاع عام تحتكره الدولة منذ الاستقلال حتى 1997. ومرحلة الاتصالات كقطاع خاص، كانت بدايته بعد صدور قانون 24/96 الذي حرر القطاع وفتحه للمنافسة وللخواص. هكذا يكون عبد السلام أحيزون، قد قضى فترة من 47 عاما في قطاع الاتصالات المغربي، تتضمن 27 عاما كرئيس مدير عام لشركة اتصالات المغرب.
سوف لن نتحدث عن أحيزون في فترة القطاع العام. فما يهمنا هو ما قام به أحيزون لجعل اتصالات المغرب تنتقل من القطاع العام إلى القطاع الخاص، وتكسب رهان المنافسة حيث ظلت اتصالات المغرب هي الأولى في السوق رغم تواجد منافسَيْن.
هناك سبب رئيسي جعل أحيزون يفرض نفسه في قطاع الاتصالات، مكنه من جعل شركة اتصالات المغرب رقما صعبا ليس من السهل مزاحمته في السوق المغربية. فرغم التحولات التي عرفتها الشركة، ورغم تغيير المساهم الرئيسي بين شركة فرنسية وشركة إماراتية، ظل أحيزون في منصبه لا يتزعزع، ولا يتململ. ما هو هذا السبب؟ وكيف فرض أحيزون كفاءته في القطاع؟
السبب يعود لفترة دخول فاعل منافس لشركة الاتصالات المغربية، أدى مبلغ 1،1 مليار دولار لشراء الرخصة الثانية للهاتف النقال. وقد دفعت الشركة الاسبانية “تيليفونيكا” متحالفة مع شركة برتغالية، هذا المبلغ، اعتقادا منها أنها ستسيطر على سوق النقال في المغرب، وستجعل من اتصالات المغرب شركة تعيش على الهامش. الأرقام كلها كانت في صالح الشركة الاسبانية التي كانت تتوفر على حظيرة تفوق 70 مليون مشترك في إسبانيا وأمريكا اللاتينية. هذا العملاق سيتنافس مع شركة لا تتجاوز حظيرة زبنائها 500 ألف مشترك. هذه الأرقام جعلت رئيس الشركة الاسبانية، يعطي تصريحا فيه نوع من التهكم على شخص أحيزون حيث ذكره بالاسم وقال للصحافة الاسبانية “إذا استطاع أحيزون بيع الهاتف الثابت فهنيئا له”. تصريح يعني أن سوق النقال في المغرب لا مجال لتتواجد فيه اتصالات المغرب. فما ذا كان رد أحيزون؟
هنا ستبرز عبقرية عبد السلام أحيزون. ففي الوقت الذي شرع فيه الفاعل الثاني في تسويق الهاتف النقال المسبق الدفع، كانت اتصالات المغرب تُسوِّق فقط الاشتراكات الشهرية الباهظة الثمن، وهو ما أعاق توسعها في السوق المغربية. الغريب هو أن اتصالات المغرب، قامت بإنجاز كل ما يتطلبه الهاتف المسبق الدفع (علامة جوال عند اتصالات المغرب، وعلامة ميدي جاهز عن ميديتيل آنذاك) من استثمارات في الشبكة، قبل شروع ميديتيل في تسويق منتوجها. منطق السوق يقول إن اتصالات المغرب يجب أن تُسْرِع في تسويق “جوال”، لتضمن حصتها من السوق قبل دخول المنافس.
لكن النظرة الثاقبة لأحيزون، جعلته يقلب منطق التسويق، ويسير عكس نظريات الماركوتينغ. قلَب أحيزون الآية، وترك المجال واسعا للفاعل الجديد يتصرف في سوق الهاتف المسبق الدفع لوحده. فماذا حدث؟
فتحت ميديتيل وكالاتها التجارية، فحدثت هجرة جماعية لزبائن الاتصالات من الشركة الأم إلى الوافد الجديد في سوق الاتصالات. مرت أيام عصيبة على أُجَراء اتصالات المغرب، كانت فيها الوكالات التجارية خاوية على عروشها، فيما كانت وكالات المنافس تشهد ازدحاما على منتوجها الجديد، تطلب في كثير من الأحيان تدخل رجال الأمن لإرجاع النظام أمام بوابات الوكالات التجارية لشركة ميديتيل. فلماذا اتخذ أحيزون هذا القرار الخطير والغريب؟
كان أحيزون يعرف أن ميديتيل طرحت منتوجها قبل استكمال أشغال شبكتها في الهاتف النقال. وكانت حساباته تقول إن تأخره في تسويق “جوال”، سيجعل المنافس وحده في سوق النقال المسبق الدفع، وسيبيع كميات كثيرة تفوق طاقة شبكته. الأمر الذي سيجعله في ورطة مع زبائنه. وبالفعل هذا ما حدث، حيث بدأت الشكايات تتقاطر على الفاعل الثاني وبدأ شعور عدم الرضا عن خدماته ينتشر في سوق الاتصالات المغربي. في هذا الوقت بالضبط، طرح أحيزون علامة “جوال” المسبق الدفع، فحدثت في سوق الاتصالات، هجرة مضادة هذه المرة من الفاعل الثاني نحو اتصالات المغرب. والنتيجة هي أن شركة ميديتيل خصصت غلافا ماليا كبيرا في الإشهار لخلق سوق كبيرة في الاتصالات، والمستفيد من هذه الحملة الاشهارية المكلفة، هو اتصالات المغرب دون دفع درهم واحد في الاشهار. إنها فعلا ضربة “المْعَلَّمْ”.
السبب الذي كان وراء هبوط أحيزون من سفينة الاتصالات، ومن عرش شركة اتصالات المغرب، هو حكم دركي الاتصالات (الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات) على اتصالات المغرب، بغرامة كبيرة تصل إلى 645 مليون دولا، أي 6،4 مليار درهم، لفائدة الفاعل الثالث شركة إنوي. والسبب هو مخالفة شروط المنافسة والتسبب في خسارة كبيرة للمنافس. لكن هذا الحكم ليس سوى القشة التي قسمت ظهر البعير. ففي السنوات الأخيرة كانت اتصالات المغرب تعرف ركودا في نتائجها، وفقط فروعها في إفريقيا هي التي كانت تساهم في تجنب الأسوأ لمجموعة اتصالات المغرب.
على هذا الأساس، يمكننا القول إن قرار إبعاد أحيزون هو إعفاء وليس فقط نهاية ولايته على رأس مجلس الإدارة. أحيزون قضى 27 سنة على رأس الشركة، وهي فترة قياسية في عالم المال والأعمال، كما أن الشركة مدرجة في بورصة الدار البيضاء وفي بورصة باريس، والإعفاء قد يؤثر على أسهمها. لذلك كان الإعفاء بلغة ناعمة كما جاء في بلاغ مجلس الرقابة.
سعيد الغماز كاتب وباحث في التنمية والذكاء الاصطناعي
تعليقات