آخر الأخبار

من داخل البرلمان…هدية من حزب معارض لرئيس الحكومة 

   سعيد الغماز

في الوقت الذي يشهد رئيس الحكومة وحزبه، انتقادات من قبل أحزاب الأغلبية التي تشكل الحكومة، قام حزب معارض بتقديم هدية رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، داخل البرلمان، وأمام أنظار البرلمانيين، وتحت مراقبة عيون الصحافيين.

حسب الصور التي التقطتها وسائل الإعلام للحظة تسلُّم رئيس الحكومة للهدية، يبدو أن هذه الأخيرة عبارة عن صندوق باللون الأخضر، قد يحتوي هدية رمزية، كما قد يحتوي وثائق ومستندات. الأغلبية توجه انتقادات لرئيس الحكومة وحزبه، في إطار تسخينات انتخابية سابقة لأوانها. وحزب معارض، يسلم هدية لرئيس الحكومة. يحدث هذا في البرلمان المغربي، وهو ما يجعل المتتبع للممارسة السياسية التي دشنتها حكومة انتخابات 8 شتنبر، يعتقد أمرين اثنين: الأول يقول بأن الممارسة السياسية في عهد الحكومة الحالية، أصبحت ممارسة بالمقلوب، المعارضة تساند رئيس الحكومة، والأغلبية تعارضه. والثاني يقول بأن الحدث يتعلق بمشهد سريالي، أقرب للخيال منه للواقع.

بقي المتتبع لما تقوم به حكومة 8 شتنبر، حائرا، مشدوها، وعقله يحاول فهم ما حدث. فالغرائب التي عاشها المواطنون في عهد هذه الحكومة، جعلتهم يتقمصون عمى الألوان، لعلهم يستطيعون فهم خطاب رئيس الحكومة، ومجاراته في اللامنطق واللامعنى. فحين لا يميز الإنسان بين الألوان، يصبح الأبيض كالأسود، والأصفر كالأخضر، وترتاح العين في بذل الجهد للتمييز بين الألوان، ويرتاح العقل كذلك من محاولة فهم ما لا منطق له.

ويبدو أن وصف مشهد تسليم الهدية داخل قبة البرلمان بالسريالي، هو الأقرب للتوصيف الدقيق لما جرى. فالسريالية هي الفوق واقعية، ومشتقة من الفرنسية (Surréalisme) التي تعني حرفيا “فوق الواقع”. كما أن السريالية هي حركة ثقافية في الفن الحديث والأدب، تهدف إلى التعبير عن العقل الباطن، بصورة يعوزها النظام والمنطق. السريالية هو التوصيف الذي يلائم الممارسة السياسية للسيد أخنوش، الذي أخرج المصطلح من الفن والأدب، ومارسه في السياسة لينتج خطابا سياسيا فوق الواقع وخارج المنطق.

بقي المواطن يتكهن محتوى هدية حزب العدالة والتنمية لرئيس الحكومة. منهم من قال هي هدية عبارة عن رائحة من النوع الرفيع الذي يناسب مقام السيد رئيس الحكومة، لكي يرش بها السيد أخنوش فضاء البرلمان، لطرد رائحة تضارب المصالح، ورائحة تجميد منظمة “ترانسبرانسي المغرب” عضويتها في اللجنة الوطنية لمحاربة الفساد، وروائح أخرى لا تحبها حكومة أخنوش تتعلق بتقارير المندوبية السامية للتخطيط، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وخاصة رائحة البطالة التي خنقت أنفاس الحكومة.

ومن المواطنين من قال إنها هدية عبارة عن كوفية فلسطينية، لتذكير رئيس الحكومة أن المغاربة قلوبهم مع غزة وما يقع فيها. ولعل هذه الهدية تجعله يسائل رئيس لجنة الصداقة المغربية الفلسطينية عن غيابه في قضية تجمع المغاربة.

لكن النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية، أوقف جميع تكهنات المواطنين المغاربة، فأوضح ما بداخل الصندوق الأخضر الذي سلمه بيديه للسيد رئيس الحكومة. لم ينف النائب البرلماني عبد الصمد حيكر أن الأمر يتعلق فعلا بهدية من حزب معارض لرئيس الحكومة. لكنه أوضح أن محتوى الهدية هو المراسيم والقوانين التي تركتها الحكومة السابقة للحكومة الحالية والمتعلقة بورش تعميم الحماية الاجتماعية.

عزيز أخنوش نفى في أكثر من مناسبة، وجود مراسيم أو قوانين حول تعميم التغطية الاجتماعية قبل مجيئه كرئيس للحكومة. وأن الورش من ألفه حتى يائه من إنجاز حكومته، ولا فضل لحكومة سابقة في هذا المجال الاجتماعي بامتياز. المواطنون ينتظرون رد أخنوش على هذه الهدية. فهل سيرد بأفضل منها، أم أن المواطن عليه أن يستمر في عمى الألوان كي يجد طريقة لفهم اللامنطق الذي تتحدث به الحكومة.

يبدو أن سياسية “أنا وحدي مضوي البلاد” التي يمارسها سي عزيز، لا تخص رئاسة الحكومة، بل تتعداها إلى المجلس الجماعي لأكادير الذي يجلس على كرسي رئاسته. وهذه السياسة الأنانية تترجمها “جوقة المنابر الإعلامية” التي تقول بأنه أفضل رئيس حكومة في تاريخ المغرب، وأفضل رئيس جماعة لأكادير على الإطلاق. فعلى غرار ورش تنزيل التغطية الاجتماعية التي أمر بها جلالة الملك، لم يجد السيد أخنوش حرجا في جعل المشاريع التي تضمنها المشرع الملكي، من إنجاز المجلس الذي يرأسه. ونحن كسكان مدينة أكادير، نتفهم هذا الزعم الغريب، لأن إنجازات مجلس أخنوش خارج المشروع الملكي هي صفر مشروع (zéro projet)، وهو صفر ينضاف إلى ما قاله النائب البرلماني حيكر “أكد رئيس الحكومة -مرة أخرى- خلال آخر جلسة شهرية له بمجلس النواب (الاثنين 16 ديسمبر 2024)، أن حكومته لم تجد ولا مرسوم واحد (zéro décret) في إطار تنزيل ورش تعميم الحماية الاجتماعية”.

لذلك نعتقد أن المعارضة في المجلس الجماعي لأكادير، مطالبة هي الأخرى بتقديم هدية لرئيس المجلس الجماعي، شبيهة بتلك التي تسلمها داخل البرلمان. والقصد من الهدية هو تذكير سي عزيز، من داخل مقر المجلس الجماعي، أن برنامج التأهيل الحضري لمدينة أكادير 2020/2024 سلمه له المجلس السابق، وأن الرئيس السابق للمجلس الجماعي هو من وقعه أمام أنظار جلالة الملك.

فهل يتحلى عزيز أخنوش بروح الممارسة السياسية الجادة، وروح الاحترام الواجب لذكاء المغاربة، ويعتذر عن السطو على إنجازات الآخرين. أم إن قدرنا، نحن المواطنين، أن نستمر في لعبة عمى الألوان لكي لا نرى فضائح حكومة 8 شتنبر.          

المقال التالي