اللغة الأمازيغية من أولويات الوثيقة الدستورية بالمغرب “سلسلة3”

مراد علوي باحث غي القانون الإداري والمالي بكلية الرباط أكدال

آفاق إدماج الأمازيغية :


إن أهم أفق يمكن الاشتغال عليه في هذا السياق هو العمل على تفعيل مقتضيات القانون
التنظيمي 26.16، لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، والحرص على تتبع تنفيذ المخطط
الحكومي المندمج ذي الصلة ببيان إدماج الأمازيغية في مجال التعليم وفي مجالات الحياة
العامة ذات الأولوية. عن طريق تفعيل أمثل لعمل اللجنة الوزارية الدائمة المكلفة بتتبع تفعيل
الطابع الرسمي للأمازيغية(15)، إضافة إلى تفعيل عمل اللجان الموضوعاتية والمتخصصة
المحدثة لديها، وهي كما يلي :


 لجنة التتبع : تنسق أعمالها وزارة الثقافة والشباب والرياضة.
 لجنة الشؤون القانونية : تنسق أعمالها الأمانة العامة للحكومة.
 لجنة الشؤون الإدارية والمالية : تنسق أعمالها وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح
الإدارة.
 لجنة منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي : تنسق أعمالها وزارة التربية الوطنية
والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي .
وتعتبر هذه اللجان الموضوعاتية آلية مهمة لتسهيل عمل اللجنة الوزارية الدائمة، وتتمثل
مهمتها الأساسية في الانكباب على دراسة مختلف القرارات التي من المزمع عرضها على
اللجنة قصد الاعتماد والمصادقة، كما أنها بحكم تركيبتها المتنوعة والتي تضم مختلف
القطاعات الحكومية ذات الصلة، فإنها تضمن التقائية في السياسات العمومية ذات الصلة
بموضوعها. كما يتطلب تفعيل هذا الورش ضرورة التعجيل بإعداد مخطط تشريعي شامل،
لملاءمة الترسانة القانونية مع مقتضيات القانون التنظيمي 26.16، حيث توجد عدة قوانين في
مختلف القطاعات تحتاج -وباستعجال- مراجعة إما شاملة أو جزئية. إن التوفر على وثيقة بهذا
الحجم والأهمية هو الكفيل بعقلنة الزمن التشريعي، وهو ما يقتضي من المؤسسة البرلمانية
المغربية، العمل على أن تكون في أتم الجاهزية لتسريع وتيرة مناقشة والمصادقة على
مشاريع القوانين التي تعدها الحكومة، ولم لا يكون للبرلمان إسهام في تقديم مقترحات قوانين
تسهم في هذا المسار؟

اللغة الأمازيغية من أولويات الوثيقة الدستورية بالمغرب

كما أن آفاق تفعيل هذا العمل الوطني والإصلاحي المهم، يقتضي من الحركة المدنية
الأمازيغية الحرص على الخروج من خطاب النضال نحو خطاب الاقتراح للتنزيل، وهنا لا
مندوحة عن القول بأن أهم ما تحقق للأمازيغية هو في مجمله راجع لنضالات الحركة
الأمازيغية، والتي كان لها شرف السبق في الترافع عن القضية الأمازيغية، بنَفَس نضالي
وسياسي، هذا الخطاب الذي نعتقد في نظرنا أنه استطاع تحقيق ذروة أهدافه والمتمثل في
دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية للمملكة المغربية إلى جانب اللغة العربية. ولكل هذا، فإن
المطلوب الآن من الحركة المدنية هو مواكبة كل هذه الجهود الرسمية بالنقد البنَّاء، والترافع
المستمر، لتجويد كل الإجراءات ذات الصلة بتفعيل بنود القانون التنظيمي .

إضافة لما سبق، فإن من آفاق هذا المشروع هو دعم جهود المغرب في تعزيز التعدد اللغوي
والثقافي، عبر عدة واجهات من أبرزها استثمار الجهوية المتقدمة لإطلاق جهوية ثقافية، تثمِّن
الموروث الثقافي وتدفع به نحو الوطنية ومن ثَمَّ العالمية. إضافة لإطلاق ولادة جديدة لقناة
“تمازيغت” عبر تعزيز دورها إلى جانب الإذاعة الأمازيغية بغرض تثمين وتنمية اللغة
والثقافة الأمازيغيتين، عبر مراجعة دفاتر التحملات والتي من الضروري أن تلزم الشركة
“في إطار مهام المرفق العام المنوطة بها بتقديم مساهمة متميزة عبر قناة “تمازيغت” لتثمين
وتنمية ونشر الثقافة واللغة الأمازيغيتين، باعتبارهما جزءًا لا يتجزأ من الثقافة والحضارة
المغربيتين ورصيدًا مشتركًا لكل المغاربة”. مع العمل على توسيع الإنتاج السمعي البصري
الوطني بالأمازيغية، ليشمل كل من الإنتاج المبثوت على “تمازيغت”، سواء الذي تنتجه
الشركة بمفردها أو بشراكة مع غيرها أو حازت حقوق بثه .

و في الختام بقي أن نشير أن المواطنة هي انتماء الإنسان إلى دولة بالمعنى الحديث،
وعلاقات اجتماعية بين الفرد والدولة والمشاركة في الحقوق والواجبات، فهي الناظم لعلاقة
المواطنين فيما بينهم ضمن دائرة الدولة، وهي تستند إلى مبدأ الحرية والمساواة وجوهر
العدالة. وعليه، فلزامًا على الدولة العمل لإيصال شعور الانتماء إلى مواطنيها ومعالجة
مختلف المشكلات المرتبطة بها والتي لا تكون بالقمع أو الإهمال ولا بالانفصال بقدر ما هي
بتكريس المواطنة بالحقوق والالتزام والانفتاح والتنوع. فبعد انتظام الدول في منظمة الأمم
المتحدة أصبح الشأن اللغوي ضمن اهتمامات المنظمة والدول الأعضاء. أفردت لذلك العديد
من الصكوك والقرارات، سواء لتدبير الشأن اللغوي الداخلي للمنظمة، باعتبارها الفضاء
الدبلوماسي الأكثر نشاطًا واتساعًا في العالم أو لتدبير حقوق الأفراد والجماعات في علاقتهم
مع دولهم، محاولة بذلك التأثير على سياسات الدول الأعضاء في هذا المجال وأحدثت في

اللغة الأمازيغية من أولويات الوثيقة الدستورية بالمغرب

منظومة الأمم المتحدة مجموعة من الآليات الحمائية وأنتجت سيلًا من الآراء والإعلانات
والاجتهادات ذات الصلة .


إن هذا التدبير الناجح للغات ضمن الهندسة اللغوية الوطنية هو الكفيل بوقف الفوضى اللغوية،
والعمل على رسم معالم تدبير ناجع، لوضع اللغات وخلق نموذج يراعي مكانة اللغات الوطنية
وما تستلزمه من عناية ووضع اعتباري، ودورها المحوري في دينامية الهوية والانتماء، مع
الانفتاح الواعي والناجع على اللغات الأجنبية، باعتبارها مفاتيح للانفتاح والاستفادة من
الآخر. ويحسن في هذا السياق التأكيد على أن سَنَّ ترسانة قانونية تؤطِّر هذا المجال، يعتبر
مدخلًا رئيسًا لتوفير الحماية القانونية وسن تدابير استراتيجية لتدبير الوضع اللغوي، ويمكننا
القول: إن القانون التنظيمي 26.16، الذي أشرت إليه آنفًا، يمكن اعتباره مدخلًا ولبنة في هذا
الاتجاه .