“لا للزواج بالموظفات”… حملة ”ظلامية” تستهدف المرأة المغربية العاملة

خالد أفرياض

العنف ضد المرأة لا يمارس فقط داخل غرف النوم أو بين جدران المنازل ولا حتى في الشارع أو بمقرات العمل، بل انتقل بشكل كبير وغير طبيعي إلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، التي كانت يوما ملاذا للمرأة للتعبير عن بعض من أفكارها وامالها وطموحاتها.


وكما هو معلوم فإن العنف أنواع، وأكثر أنواعه فتكا في الرأي المتواضع لكاتب هذه الأسطر، هو ذاك الذي ينخر في الصحة النفسية للإنسان ويظهر تدريجيا على جسمه ويسبب الكثير من الأمراض المختلفة. هو العنف الرمزي أو الكلامي أو الإيديولوجي، وهو ما تعرضت له الفتاة والمرأة العاملة المغربية مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي.


قبل أيام قليلة، عمد أحد هؤلاء الذين يسمون أنفسهم مؤثرين وعارفين في أمور الدنيا والاخرة، إلى إنشاء مجموعة على موقع ”فيسبوك”، يهاجم فيها المرأة المغربية العاملة، ويدعوا مريديه إلى عدم الزواج بها ومقاطعتها مقاطعة تامة، بل انتقل هذه النقاش ”التافه الذي أكل عليه الدهر وشرب” إلى مستوى سب المرأة العاملة المغربية بأقصى عبارات السب والشتم والاحتقار.


هذا الفعل الذي أراد صاحبه أن يرجعنا به إلى عصور الظلمات، خلق جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى مستوى الشارع المغربي، بل امتد وزحف إلى وسائل الاعلام العالمية. هذه الأخيرة التي سخرت من مستوى وعي بعض الظلاميين الذين يثيرون اشمئزاز العالم بين كل وقت وحين.
ويبدوا أن هذه الزوبعة رغم بلوغها العالمية، لم تحقق مقاصدها، بل أضحكت النساء والرجال على حد سواء، نظرا لكون عمل المرأة أمرا ضروريا في عصرنا الحالي، والتنقيص من هذا الأمر يعتبر تخلفا وخروجا عن المألوف.


فريدة وهي امرأة عاملة في القطاع الخاص وربة بيت في نفس الوقت، عبرت لنا عن مدى استغرابها من طرح مثل هكذا مواضيع قائلة: ”انا شخصيا لا أتأثر بمثل هذه الزوبعات بل تضحكني في الحقيقة، وتريني ضعف او خوف بعض الرجال من المرأة الموظفة، حيث أن المرأة عندما تدخل إلى سوق الشغل أو التوظيف عموما، تكون مستقلة، وأعتقد أن بعض الرجال يسعون إلى تطويق المرأة غير العاملة باستغلال الجانب المادي، حيث يدعون أن المرأة طالما كانت في حاجة ”لجيب الرجل” فهي لن لقوم بالمطالبة ببعض حقوقها أو أن تطلب الطلاق في حال تم الاعتداء عليها”.


وأضافت: ”إذا كل هذه الافكار أعتقد أنها منتشرة فقط في بعض المجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي وهذه الضجة القائمة مؤخرا ضد المرأة الموظفة على الفيسبوك لن تدوم سوى أيام أو أسابيع قليلة كغيرها من المواضيع التافهة”.
لتسترسل: ”بالإضافة إلى كل ذلك، أعتقد أن موقف الداعين إلى مقاطعة المرأة العاملة، هو موقف متناقض، حيث أن نفس الأشخاص الذين يدعون إلى عدم الزواج بالموظفات، هم نفسهم من يرسلون نساء عائلاتهم للطبيبة عوض الطبيب والخياطة عوض الخياط وغيرها من المهن التي تحتك بالنساء بشكل دائم”.


وفيما يخص عما إذا كانت هذه الضجة قد أثرت على الفتيات المغربيات اللواتي لم يدخلن بعد القفص الذهبي، تقول ”فاطمة” وهي شابة غير متزوجة وتملك مشروعها الخاص: ”في رأيي هذا الأمر لا يستحق مثل هاته الضجة لأنه توجد مواضيع أكثر أهمية ، و موضوع الزواج يبقى إختياري كل يختار ما يناسبه فالرجل من حقه أن يختار ما يريد و المرأة من حقها أن تختار ما تريد ،وبمجرد طرح الرجل لهذا الموضوع فهذا يعني أنه في حالة ضعف و المرأة في حالة قوة .من تناسبه موظفة فله ذلك و من تناسبه ربة بيت فليست كل نساء المغرب موظفات . العمل حق من حقوق أي إنسان سواء كان رجلا أو امرأة ،و المرأة لها حرية الإنتقاء أن تعمل أو تلتزم بالبيت ، وفي حالة الزواج إن كانت المرأة موظفة ، يبقى الموضوع اتفاق بينها و بين زوجها المستقبلي هل تتوقف او تستمر في العمل” .


تضيف: ”بالنسبة لهذه الضجة لم تحرك في ساكنا و لم تكن لي دراية بها لأنني أتجنب كل المواقع و المواضيع التافهة .و أنا أؤمن بأنني في كل لحظة و في كل ثانية أقوم بعمل أحبه و أعشقه و هو رسالتي في هاته الأرض ، من أرادني أنا و مشروعي فمرحبا به ، و من يريد غير ذلك فأرض الله واسعة و أنا لست في حاجته” .


لتختم بالقول: ”كما يقال من كان الله معه فمن عليه و من كان الله عليه فمن معه ،كن لله كما يريد يكن لك فوق ما تريد ، من وجد الله فماذا فقد و من فقد الله فماذا وجد ، والله لم يحرم العمل على المرأة و إن كان سبب هاته الضجة هو خوف الرجل من عدم قدرة المرأة على التوفيق بين العمل و البيت ،فيجب أن يكون واعي بأن أعمال البيت في الأصل تكون مشتركة بين الزوجين و خير دليل هو الرسول صلى الله عليه وسلم .”

ولم يكن هذا فقط رأي النساء في هذا الموضوع، حيث أن محمد الذي يشتغل في القطاع العام ومتزوج من زميلته في نفس القطاع عبر لنا عن اعتزازه بالزواج بامرأة موظفة لاعتبارات كثيرة عددها لنا بالقول: ”باعتباري موظفا ومتزوجا بامرأة موظفة، أعتقد أن عمل المرأة في وقتنا هذا، أصبح ضرورة ملحة نظرا للعديد من الاعتبارات، أولها هو أن الأسرة مؤسسة تشاركية على جميع المستويات، سواء في ما يتعلق بالجانب الاقتصادي أو الاجتماعي، ثم إن الظرفية الاقتصادية تحتاج منا وضع اليد في اليد وتكتيف الجهود من أجل عدم حرمان الابناء من احتياجاتهم الضرورية”.


وأضاف: ”أنا لا أشعر أبدا بأي حرج بزواجي من امرأة موظفة، بل أنا فخور بذلك لأني أساهم في تطوير مجتمعي للأفضل، خصوصا أن المجتمعات المتقدمة سواء الاوروبية أو الامريكية او غيرها، عرفت التقدم والتطور على عدة مستويات بعد الثورات التي حررت المرأة وساعدتها في الانخراط بسوق الشغل”.


واسترسل: ”في ما يخص الضجة القائمة على مواقع التواصل الاجتماعي، فأعتقد أن أصحابها ما هم إلا مجموعة من المراهقين والمعقدين نفسيا والذين يسعون إلى إرجاع المغرب والمجتمع العربي عامة إلى عصور الظلام”.


رأي علم الإجتماع في هذه الموضوع اختصره لنا الدكتور ادريس الدريسي وهو أستاذ السوسيولوجيا في جامعة ابن زهر بالقول: ”خروج المرأة للعمل وضعية اجتماعية عابرة للحضارات والأمم على مر العصور، مع وجود تنامي للمسألة اليوم نظرا لتظافر مجموعة من العوامل والدوافع المتحكمة في ذلك، منها ما هو اقتصادي مرتبط بالأساس بارتفاع تكلفة المعيشة ومتطلباتها. ومنها ما هو اجتماعي له علاقة بالبحث عن مكانة اجتماعية بين الأقران وأفراد الأسرة الصغيرة والكبيرة.


وأضاف: ”لهذا اعتبر ان مثل هذه التدوينات الداعية إلى مقاطعة الزواج بالمرأة الموظفة فيه احتقار وتهميش لحق من حقوقها المدنية والسياسية. فعبر هذه البوابة تسهم المرأة في تنمية المجتمع وتطويره إلى جانب مهمة التربية والتنشئة الاجتماعية بما هي ادوار مهمة واساسية في المجتمع لأن المرأة وكما قال الشاعر مدرسة اذا اعددتها أعددت شعبا طيب الاعراق”.


وبالتالي -يسترس الدكتور- ”يمكن اعتبار هذه الدعايات المغرضة في حق المرأة العاملة نوع من انواع العنف الرمزي الذي يمارس عليها داخل المجتمع. نعم لخروجها بعض الآثار الممكن قياسها ودراستها سوسيولوجيا على مستوى الرابط الاسري . لكن ليس كل الموظفات من النساء لهن مشاكل اجتماعية وغير موفقات في عملهن المنزلي”.


في الإطار ذاته يعتقد الدكتور عمر حلي وهو رئيس جامعة ابن زهر سابقا وعضو بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، أن ”هذا الموضوع يثار بدون خلفيات، لأنه لو كانت له خلفيات لما طرح الان، في سياق نعرف اليوم أنه مضى وأن المجتمع تطور ولا يمكن ان نعود به إلى الوراء، ومثل هذه الدعوات في اعتقادي لا تخلوا من رعونة، لان الحياة تمضي ولنا ميكانيزمات متحكمة في هذه الحياة لم تعد قابلة للعودة إلى الوراء”.


وأضاف: ”فالمجتمع يتطور والاختيارات فيه اختيارات شخصية، وبالتالي كل من يريد ان يقيم اعلانا او دعوة لشيء من هذا القبيل لن يجد صداه لأن الأمور تسير بغير ذلك الهوى ولأن المجتمع له توازناته وله اليوم ترتيباته وله كذلك تقاليد ترسخت فيه”.


ليوضح أن ”توازنات المجتمع غير خاضعة لمثل هذه الدعوات، وأعتقد أنها دعوة لن تجد صداها على المدى البعيد فهي فقط رجة أراد منها البعض أن يثير موضوعا لا أعتقد انه سيجد صداه لدى كل الفئات ولدى كل الشباب، لأن الاختيارات قائمة على توازنات وقائمة كذلك على رغبات وأيضا على التطور الذي حصل في المجتمع الحديث منذ مدة غير يسيرة”.

ديننا الاسلامي كذلك أنصف المرأة العاملة وجعلها نصف المجتمع حيث لا يمكن للدين أن يحتقر أهم جزء من أجزاء البنية المجتمعية. في هذا السياق قال الشيخ الراحل يوسف القرضاوي في فتوى سابقة له أن ”المرأة إنسان، كالرجل، هي منه وهو منها كما قال القرآن: {بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} (آل عمران:195)، والإنسان كائن حي من طبيعته أن يفكر ويعمل، وإلا لم يكن إنسانًا”.


وأضاف: ”والله تعالى إنما خلق الناس ليعملوا، بل ما خلقهم إلا ليبلوهم أيهم أحسن عملاً فالمرأة مكلفة كالرجل بالعمل، وبالعمل الأحسن على وجه الخصوص، وهي مثابة عليه كالرجل من الله عز وجل، كما قال تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى} (آل عمران: 195)، وهي مثـابة على عملها الحسن في الآخرة ومكافأة عليه في الدنيا أيضا: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} (النحل:97).”


واسترسل: ”والمرأة أيضًا كما يقال دائمًا نصف المجتمع الإنساني، ولا يتصور من الإسلام أن يعطل نصف مجتمعه، ويحكم عليه بالجمود أو الشلل، فيأخذ من الحياة ولا يعطيها، ويستهلك من طيباتها، ولا ينتج لها شيئًا”.


المرأة المغربية العاملة إذا، تعد ركيزة مهمة من ركائز مجتمعنا المغربي، تساهم في تطويره وتأخذ بيده نحو نور الحرية الساطع، وأي تنقيص منها يحتاج إلى المسائلة، ولما لا سن قوانين لردع تكرار مثل هذه الحملات التي تشوه وتفسد صورة المغرب الحديث المتطور.