المحاماة والدولة أي صراع؟

الاستاذ محمد الفلالي المحامي بهيئة اكادير كلميم و العيون 

رئيـــــــس اتحـــــــــــــــــــــاد المحامين بأكاديـــــــــــر كلميــــــــــــــــم و العيــــــــون . 

ان الدولة المغربية و منذ عهد ليس بقريب و هي تئن من ثقل الاعباء الملقاة على عاتقها بفعل التحولات الاجتماعية و السياسية و الحقوقية المختلفة ، ابتداء بردة حقوقية وصولا الىاحتقان اجتماعي ينذر بإنفجار غضب شعبي قريب .

و لعل السبب الرئيس فيما آلت اليه اوضاع الدولة حسب المذكور اعلاه يكمن في المحدد الاقتصادي بإعتباره المرتكز الاساس للقول بوجود عدالة بمعانيها و مفاهيمها و وظائفها كافة بما فيها العدالة  التي ينشدها المحامي ارتباطا بعمله القضائي في تحقيق العدالة بذات المفهوم ، و ليست هنا ذا بال لشرح اسباب ارتباط الاقتصاد بالعدالة ربما لوضوحه وغناه عن التفسير و البيان .

و استطرادا في التحليل ، إن تخلي الدولة عن دورها الجوهري في تحقيق اسقرار اقتصادي و منه اجتماعي و سياسي والحيلولة دون تفاقم الازمة و العمل على تحقيق خطوات ضرورية لتعزيز دولة الحق و القانون و احقاق عدالة و تكافل اجتماعيين بين ابناء الوطن الواحد بما ينتج عنه الوصول الى مستوى عيش يحفظ للمواطن كرامته ، و انصرافها الى تقديم كل ماهو مطلوب لكي يحقق راس المال اعلى ربح ممكن عن طريق منحه كافة البنى و الهياكل التحتية و تقديم كافة التنازلات والاعفاءات الضريبية المتزايدة و منحه المساعدات المالية لاصحاب الثروة على امل إغرائهم بالاستثمار في اقتصاد الدولة.

لكن للاسف فإن كل التنازلات المذكورة تؤكد ان الدولة تركض وراء السراب و عدم لاخير فيه،لان واقع الحال يشهد بخلافه ذلك هذا مع استحضار مبدأ حسن النية، فالرغبة في مساهمة راس في الاقتصاد الوطني يقتضي بشكل اصيل ان يكون اصحاب رؤوس المال وطنيين فعلا (بورجوازية وطنية ) لكن للاسف الشديد ابتلينا بأثرياء بلا وطنية ، تدل عليهم نتائج جائحة وباء كوفيد 19 التي اكدت نماء ثروة هؤلاء الاثرياء مقابل انفجار ازمة اجتماعية لدى غالبية ابناء هذا الوطن و اذ نسقط دليلنا اعلاه على الواقع لينكشف المبهم يتحلى الغامض فإرتفاع اسعار المحروقات المهول و المتصاعد بهامش ارباح فلكي عجزت معه مؤسسات الدولة المكلفة بالمنافسة

و الاسعار عن تحديده بالرغم من ان المستفيدين هم اصحاب شركات المحروقات الذينيعدون من اصحاب الثروة بهذا الوطن ، فهل هؤلاء وطنيين فعلا ؟

و المفزع من هذا و ذاك ان اصحابنا المذكورين اعلاه عقدوا قران ثرواتهم بالسلطة و إعتلوا كراسي الحكومة

و الوزارات و صاروا يقصون القوانين على مقاس اموالهم بغية رفع معاملات ارباحهم و معدلات نمو مؤسساتهم الاقتصادية ، و في هذا السياق يقودنا الواقع المر الى ذكر بعض قراراتهم : 

– سحب قانون يجرم الاثراء غير المشروع .

– الاعفاءات الضريبية على الثروة .

– تعقيد مساطر محاربة الفساد و مركزتها .

– الابقاء على عقود الاحتكار 

– توسيع إقتصاد الريع 

– تقديم اموال الدولة مقابل مجرد فواتير .

و ناتج الحال يؤكد بالارقام ارتفاع دخول اصحاب الثروة و ارتفاع معدلاتها بما يفوق معدلات الناتج القومي الاجمالي بكثير ( مثلا راجع معدل ارباح و نمو شركات المحروقات بالمغرب ) .

كل هذه الاوضاع ارخت بظلالها على مهنة المحاماة بإعتبارها اولا حصنا منيعا للدفاع عن ابناء هذا الوطن من سياسات التفقير و التجويع و ثانيا النظر اليها كقناة لتصريف الازمة .

و مما لا يخفى على الجميع ان مهنة المحاماة كانت و لا تزال خزانا يفيض بمناضلين و قواعد شبابية تدرك طبيعة الصراع في هذا الوطن و قادرة على تحديد اعداء الوطن و قيادة احتجاجات شعبية لاسقاط الفساد و رموزه  انسجاما و موقهم النخبوي .

و مع ادراك حكومة زواج لمال و السلطة لخطر مهنة المحاماة عليها خاصة ان المدة القصيرة التي مضت من ولايتها كانت كفيلة بفضح حقيقتها كونها حكومة توزيع المناصب مقابل الولاءات و رهن اموال الدولة لمصلحة صقورها ، كل هذا كان كفيلا بأن تحدد هذه الحكومة مهنة المحاماة كنقيض اني يجب تركيعه دون تأجيل بإستهدافه في كافة مناحي اشتغاله لا سواء في ادواره الكلاسيكية كالدفاع عن المواطن في قضاياه المعروضة  على المحاكم و لا حتى ادواره المجتمعية و الانسانية النبيلة ، منتهجة بذلك نهج نابليون حين نادى بقطع رؤوس المحامين إذا ما هم دافعوا عن المواطن في مواجهته و تفعيلا لذلك طرحت الحكومة استراتيجية هجومية حددت لها ثلاث مستويات .

– المستوى الاول : تقليص و تقزيم  دور المحامي في تحقيق العدالة و يكمن في تعديلقوانين الشكل التي و سعت من نطاق المسطرة الشفوية و عدم الزامية المحامي في الكثير من القضايا مجهضة بذلك مبدأ الولوج المستنير الى العدالة .

 المستوى الثاني : إغراق مهنة المحاماة بطلبة كليات الحقوق بغض النظر عن مستوى تكوينهم و كفائتهم و بمعزل عن توفير بيئة سليمة تحقق لهم ظروف اشتغال كريمة و دون الالتفات الى مصالح المتقاضي التي يمكن تضيع حقوقه بين قلة التكوين و الجنوح الى الفساد .

– المستوى الثالث : ضرب المحامي في قدرته المادية و ارهاقه بتكاليف غير قانونية  بهدف ارغامه على توجيه جهده الكامل للبحث عن لقمة العيش مع جعله حبسا اياها داخل رداهات المحاكم  و منه التضييق عليه حتى لا يلتفت الى هموم المواطن بل وجعله مجرد جابي للضرائب من المواطن لفائدة الحكومة في ضرب صارخ لمبدأ مجانية التقاضي .

و منه لا مراء في ان نتقدم بسؤال عن من يتحمل اعباء الدولة ،اصحاب الثروة ام المواطن ومن امامه

ملاك العدالة (المحامي ) ؟ 

الجواب يأتي من رحم نفس السؤال لا بد من تركيز الجهد على توظيف خبرات الوطن لتخطى التفاوتات الاجتماعية بين فئات المجتمع و جعل زواج المال بالسلطة محرما و اقرار ضريبة على الثروة و محاربة الفساد فعلا لا قولا و ما يقتضيه ذلك من تبسيط لمساطر التشكي ورفع العقوبات على جرائم الرشوة و استرداد اموال الدولة المنهوبة و دعم الكفاءات الوطنية الى غيره مما لا يتسع المجال لحصره .