أرجوك .. لا ترحل

مقال لعبد المولى المروري

أرجوكم، لا تزعجوه، أتركوه إلى أن ينهي مهمته المقدسة، التي أسندت له من استحقاقات فاسدة.. مزورة.. تافهة..

أرجوكم، افسحوا له المجال كي يبر بوعده المقدس، أن يقوم بإعادة التربية..

أرجوكم، هو ينجز الآن وعده.. عندما قال للشعب المغربي المسكين ” تستاهلو حسن ” .. فلماذا تريدونه أن يرحل ؟

أنت ” ولد الناس ” ، وأعتذر نيابة عمن تجرأ ذات يوم وقال عنك “شناق” أو ” ما عندكش الكابري ديال السياسة ” تلك كانت زلة لسان، فقد تبين أنك أنت أكبر سياسي عرفه هذا البلد، وأحسن تاجر عرفه التاريخ.

رغم أن الشعب مسحوق ومحروق بسبب ارتفاع محروقاتك المباركة، ورغم أن الوطن يئن تحت وطأة مشاريعك الفاشلة ؛ المخطط الأخضر الذي أتى على اليابس والأخضر، المخطط الأزرق الذي أهلك الحرث والنسل، ومخططات الماء التي جفت بسببها الأبار والسدود ومياه الأنهار ومياه عيون المواطنين المساكين الذابلة، فنحن نصدر الماء عبر الدلاح ، تصوروا المستوى الذي وصلت إليه البلد، وصلنا في عهدك إلى مرحلة تصدير المياه الجوفية .. تقدم لافت لم تصله أي دولة، فهذه مرحلتك الزاهية، وهذا عصرك الذهبي؛ عصر الحشرة القرمزية الجميلة.. وجفاف الآبار .. فلا ترحل أرجوك .. ما يزال هناك الكثير لتقوم به .. ما يزال هناك الشمس، أما الهواء فلم يسلم من تجارتك، هل تذكر ذلك؟ .. وكان بثمن الذهب أيام الكوفيد .. لقد كنت كريما جدا مع مرضى الكوفيد ، وبعتهم الهواء بأثمنة قاتلة .. دفعت بعضهم إلى الموت لأن الثمن كان مناسبا ومشجعا على الارتقاء إلى السماء .. كنت كريما جدا ، مثل ” قفة جود ” ، وما يزال هناك ظل الأشجار وأعماق البحار والأنهار .. كلها لك .. كي تنجز عليها مشاريعك الرائعة .. فلا ترحل ..

ولماذا سيحتج عليك هذا الشعب المتسرع، فهو لا يفهم في السياسة .. ولا يفقه في الكياسة .. وكلام أبي ذر الغفاري الذي قال : «عجبت لمن لم يجد قوت يومه ولم يخرج شاهرا سيفه»، وهناك من ينسبها إلى علي كرم الله وجهه ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فهذه القولة هي مدسوسة في التاريخ من أجل إثارة الفتنة فقط .. ونحن ضد الفتنة طبعا، نحن مع الإصلاح في ظل الاستقرار .. الاستقرار الذي يُجَوَّع فيه الشعب، ويظلم فيه المواطن، ويعتقل في المناضل ..

على هذا الشعب أن يواصل استهلاك ثقافة التدجين وإعلام التفاهة وفن المجون .. فهي أحسن الوسائل كي تبقى أيها الشعب مخدرا كي لا تحتج، ولا تنتفض، وربما ستساعدك هذه الأدوية الفتاكة على عدم الإحساس بالألم إلى درجة تبلد الحس .. هي وصفة ناجحة ومجربة..

عليك أيها الشعب بمهرجانات الشيخات كي تطرب على ألحانها وتهتز على رقصاتها، وأمامك ملاعب كرة القدم بالمجان كي تملأها صراخا وصخبا طلبا للأهداف والمتعة وليس طلبا للحرية والكرامة، ومسيرات الدفاع عن فرقك الكروية المحلية كي تنقدها من الإفلاس بدل أن تنقد حياتك من الضياع والهلاك.. هذا هو النضال الذي ينسيك الجوع، وينسيك الذل الذي تعيش فيه..

ما هذه الدعوة السخيفة التي تطلب من الرجل الشهم الأنيق والمبتسم أن يرحل، لا حق للشعب في طلب ذلك، هناك جهة واحدة المخولة لقول ذلك .. أما الشعب فلا شأن له، دوره أن يصبر .. ويصبر .. ويصبر حتى يأتيه الفرج .. ولا يهم متى ذلك .. المهم أن يغلق فمه ولا يحتج ، الاحتجاج بسبب الفقر والظلم والقهر هي فوضى قد تتسبب في الاضطراب وعدم الاستقرار، الأمر الذي يزعج الدولة .. فأن تموت جوعا وذلا وقهرا وأنت صابر – أيها الشعب – أحسن ألف مرة من أن تحتج مطالبا بالخبز والكرامة والعدل .. فالأولى رجولة وشهامة منك أيها الشعب، والثانية شغب وفوضى ماحقة .. لذلك عليك أن تكون رجلا وشهما أيها الشعب، واصبر على ذُلِّك وجوعك حتى يأتي صاحب الأمر بأمره ..

أرجوك، لا ترحل رغم أنك كنت ضد الدعم المباشر للفقراء والمساكين، رغم أنك سرقت صلاحيات رئيسك في غفلة منه، رغم أن هناك من يروج أنك سرقت ” أرباحا ” بقيمة سبعة عشر مليار سنتيم ..

لا ترحل رغم أنك سحبت مشروع قانون الإثراء غير المشروع كي تحقق الثراء بالطريقة التي تناسبك وتناسب أصحابك، وسحبت قانون التغطية الاجتماعية للأبوين حتى لا تثقل كاهل الدولة وتخفف عن نفسك وعنها بر الوالدين.. فبماذا سينفعك بر الوالدين .. أو ربما والداك لا حجة لهم في التغطية، وهم كسائر أباء الطبقة الشغيلة المسحوقة في هذا البلد العظيم ..

لا ترحل حتى تأتي على كل شيء، ولا تبقي ولا تدر .. أرجوك .. واصل ! فنحن نستحق أن نُسْحق ..