ماذا يجري في مدينة اگادير؟ الجميع في صمت؟

مغرب تايمز - ماذا يجري في مدينة اگادير؟ الجميع في صمت؟


عبدالله بوشطارت/ صحافي وكاتب رأي


ماذا يجري في مدينة اگادير؟ الجميع في صمت، فتور قاتل جمد كل الديناميات التي كانت تتحرك في المدينة وأحوازها. مثقفون، نخب فكرية، فعاليات مدنية وسياسية وحزبية، ديناميات جمعوية، مبادرات فكرية لمطارحة أسئلة الديموقراطية والحريات، وقضايا الانحباس الحزبي وغموض الأفق السياسي بشكل عام، كل هذه المحاولات التي كانت تسم المشهد السياسي في أگادير، اندثرت واختفت…

وتركت الساحة فارغة يستأسد فيها رأي أحادي مصلحي انتهازي ونفعي، انقض على المؤسسات والمجالس وهيمن عليها بشكل مطلق، واجتمعت السلطة بالمال والادارة وتقوى نفوذ هذا التيار ليزحف على كل شيء.. وهو سياق سياسي زاحف قام بتمييع الفكر والسياسة والثقافة وجعل من التدافع الحزبي مجالا مبلقنا بالمال والمصالح، وجرد النسق السياسي من كل المعاني النبيلة، وجعله حقلا مقاولاتيا يقوده الباطرون بمكانيزم الماركوتينغ، وتحولت السياسة من نسق الأفكار والايديولوجيا إلى مرتع الهولدينگ.


مدينة أگادير لها تاريخ طويل وتراكم كبير في النضال السياسي والصراع لتحقيق الديموقراطية والعدالة الاجتماعية والمجالية وتوزيع الثروة والموارد… ، شهدت المدينة فصولا من معارك الاتحاديين واليساريين، ومسارات مؤسسة للنضال الامازيغي المستقل ثم تدافعات الاسلاميين… وكلها كانت تقاطبات وتجارب سياسية بصمت على معارك نضالية حقيقية بالرغم من الاختلافات الايديولوجية الظاهرة بين هذه المرجعيات… ولكن كانت تخلق ديناميات للنقاش والصراع السياسي وفقا للمنطلقات الفكرية والايديولوجية التي تسعى كل هذه المكونات المجتمعية إلى تحقيقها…


اليوم ما الذي حصل؟ لا نقاش سياسي؟ لا صراع أيديولوجي؟ لا تنافس حزبي؟ لا تدافع ثقافي؟ لا فعل مدني؟ لا شيء… هذه ليست فقط مظاهر موت سياسي، وإنما معالم إبادة حقيقية للنقاش العمومي حول قضايا مصيرية تهم المجتمع والمدينة…


وحدهم الذين استقطتبتهم هذه الماكينة الحزبية عن طريق المال وتوزيع الهبات، هم وحدهم من يحاولون تنشيط المشهد بندوات عقيمة هنا وهناك بعناوين سخيفة لاثارة النقاش وسط مدينة أصيبت بخيبة أمل كبيرة… بعض الامازيغيين وبعض المتياسرين وبعض الجمعويين الذين حرقت وجوههم بفعل تكرار طبعها ونسخها على ملصقات ندوات وملتقيات مخدومة مدفوعة الأجر من طرف اللوبي المتحكم في المدينة… هم من يتكلم في أمور وقضايا استهلك فيها الكلام منذ زمان ولم يعد يهتم بها أحد، في المقابل يتم السكوت عن قصد على قضايا ومشاكل حقيقية تعرفها المدينة ومستقبلها. ..


مدينة اگادير يتواجد فيها مثقفون حقيقيون، مناضلون سياسيون ذي مصداقية ومبادئ راسخة وفعاليات مدنية وجمعوية لها من التجربة والحنكة ما يكفي، ملتزمة ومتشبثة باستقلاليتها … لكن للأسف اختارت الصمت والركون في الظل، والعودة إلى الخلف والانزواء بعيدا عن النقاش العمومي، إما أنها فقدت الأمل في اختيارات الشعب المقهور، أو أنها اشمأزت من ممارسات انتهازية ووصولية أصبحت هي الطاغية في النسق السياسي والفعل المدني والعمل الثقافي… قد تكون كل تلك الأسباب واقعية ولكن اختيار الصمت في هذه الظرفية سيكون مكلفا جدا….


أما دور الجامعة التي أصبحت تعج بالكليات في مختلف التخصصات والتي تضم المئات من الأساتذة والدكاترة والجامعيين والطلبة… هي الأخرى أصابها الجمود ولم تعد قادرة على افراز نخب محلية وجهوية تقود عملية البناء الديموقراطي، وتتملك مشاريع فكرية وسياسية ومواقف تدافع عنها بجرأة واستقلالية، ولم تستطع إنتاج نخب قادرة على بناء معارك فكرية وخلق مساحات النقاش للدفاع القيم في السياسة والثقافة والاقتصاد، ثم عن الفكر والحرية والرأي والعدالة… لم تستطع الجامعة بأساتذتها ونخبها وطلبتها في أگادير أن تكون قاطرة التغيير…. أصبحت مرتعا للأحزاب الإدارية والسلطوية تفعل فيها ما تشاء..