عنبي: الملاعب هي واجهة من واجهات المجتمع والشغب تتحمل مسؤوليته الوزارة

مغرب تايمز - عنبي: الملاعب هي واجهة من واجهات المجتمع والشغب تتحمل مسؤوليته الوزارة

عاد الشغب مجددا ليحط الرحال في الملاعب الرياضية، ويلقي بظلاله الثقيلة على مباريات كرة القدم، ليسود العنف داخل المدرجات.


فيحصد الأرواح ويحرم أمهات عدة من فلذات كبدهن، ناهيك عن الخسائر المادية التي يخلفها.
ومازالت المغرب تحتفظ في ذاكرتها، بمآسي دامية مرتبطة بالشغب الرياضي، أبرزها ما يعرف بـ”السبت الأسود”، وهي أحداث الشغب التي شهدها ملعب محمد الخامس في الدار البيضاء في 19 مارس عام 2016، وقتل خلالها مشجعان وأصيب العشرات.


لكن من المسؤول؟ ومن سنلوم عن هذا الشغب؟ لماذا يقتحم جمهور الفريق المنهزم أرضية الملاعب؟ ومن يتحمل مسؤولية انتاج مسلسل الرعب الذي يستكمل فصوله خارج أسوار الملعب؟


يقول عبد الرحيم عنبي، أستاذ باحث في علم الاجتماع: ” يمكننا مقاربة شغب الملاعب من أربع مستويات، المستوى الأول يتعلق بالمجتمع المغربي ككل، والذي يعرف تفكك على مستوى القيم، والعادات، ووسائل الضبط الاجتماعي، وهذا التفكك جعل الأجيال الصاعدة تعيش في وضع متناقض مع الأجيال السابقة، بحيث جعلها تثور في وجه كل ما هو سابق وقديم، وبالتالي يتم التعبير عن هذا النوع من التمرد بالشغب، لأن هذا الوضع المتناقض وهذا التمرد أدى الى خلخلة على مستوى وسائل الضبط الاجتماعي، لأنها تختلف عن السابقة، ولان الوسائل التقليدية والقديمة لم تعد هي نفسها الصالحة لضبط أجيال اليوم”.


يضيف:” هذا الوضع المتناقض ساهمت فيه عوامل عدة، لأن اليوم هناك تفاوت كبير بين الأجيال على مستوى المعارف، وعلى مستوى القيم، فالأجيال الصاعدة تنهل قيمها وتنهل سلوكياتها من وسائل مختلفة، ولم تعد حتى الأسرة والمدرسة والمسيد، كما كانت عليه، فقد كانت كلها مؤسسات أساسية في صناعة وسائل الضبط وفي صياغتها وبلورتها، بحيث أن الأجيال كانت تخضع لرقابة المجتمع ككل، وكانت “الحشموية” و”العيب” و”القدرية”، من الأمور التي تدخل في تنشئة الأجيال الصاعدة، وكذلك تضبط جل ممارساتهم وسلوكياتهم”.


يتابع: “اليوم نجد أن هذه الوسائل والمؤسسات الجديدة التي أصبحت تنهل منها الأجيال الصاعدة قيمها ومعتقدتها، كوسائل الاعلام المختلفة، صارت تبني لهم مطامح جديدة، تبني لهم استراتيجيات جديدة، وهو ما أسس كما أسلفت لوضع متناقض، ويتم التعبير عنه بالشغب الذي لا يجد طريقه الا في ملاعب كرة القدم، وحين تتابع هذه الأجيال المقابلات، تعبر عن احتجاجها وعن قرارات الحكام، وتعبر أحيانا عن غضبها إزاء الهزيمة بالشغب، لا بالمواقف كما في العقود السابقة من القرن الماضي، في السبعينيات و الثمانينيات، حينما كانت المواقف تُتَخذ عبر الكتابة، وعبر النقاش والحوارات، أما اليوم فالأمر يختلف فتُتَخذ عبر الشغب”.

يضيف: “أما المستوى الثاني فهو مرتبط بالفرجة، فحينما نتحدث عن كرة القدم فنحن نتحدث عن صناعة الفرجة، لكن الان هنالك تسويق للكرة أو سيطرة منطق السوق، فكما نعلم مباراة الكرة يتحكم فيها المنطق الاقتصادي، فاللاعب يباع ويشترى بأثمان باهظة، والمتفرج يشتري تذكرته ليتابع المقابلة، والنقل للمباريات يتم عبر قنوات تحتكر أحيانا لنفسها نقل هذه المباريات بأثمان خيالية، اذن منطق السوق فقدت معه الجماهير الحالية أو الأجيال الصاعدة حس الفرجة”.
يواصل: ” لم تعد الفرجة تصنع انطلاقا من مقابلة لكرة القدم، ولكن صارت منطقيات أخرى هي التي تتحكم، كالمنطق التجاري وبالتالي افتقدت الأجيال تذوق طعم الانتصار وامتصاص الهزيمة، بقدر ما صار الشغب هو الذي يعبر، جاء نتيجة فقدان حس تذوق الفرجة، ومعنى الفرجة هنا التفريج، فمقابلة كرة القدم في السبعينيات وفي الخمسينيات والستينيات تختلف عن اليوم”.
يقول:” كان الجمهور حينما يذهب للملعب ويقصد هذا الفضاء، كمن يقصد السنيما والمسرح والمتاحف، فالملاعب كانت عبارة عن أمكنة ثقافية، يتذوق فيها الانسان فن وطعم الفرجة، أما اليوم فيتم تصوير ملاعب كرة القدم كحلبات للصراع وللقتال، وبالطبع فقدان هذا الطعم راجع بالأساس لاختفاء التنشئة الاجتماعية على مستوى الذوق، فلم تعد المسارح كما كانت ولا الجمعيات الثقافية، التي تعمل في دور الشباب وتعمل على تربية الشباب وتنمي هذا الحس، ولا حتى الجامعات، لم تعد تقوم بهذا الدور فأصبحت الأجيال الحالية بعيدة عن هذه المؤسسات التي تعمل على صقل وصناعة الذوق والتمتع بالفرجة”.
كما حمَّل عنبي المسؤولية لوزارة الشباب والرياضة، ووزارة التربية الوطنية، وللمجتمع المدني، لإعادة احياء الجامعات الرياضية والمدرسية، ونوه بدور دور الشباب: ” دور الشباب كانت سابقا تعج بالجامعيات، التي تشتغل على الجانب الرياضي والثقافي، عكس اليوم تشتغل فقط على ما هو ربحي، أما على مستوى التربية فتم الابتعاد عن هذه الجوانب، اذا فالمجتمع المدني يتحمل جزء من المسؤولية، الى جانب الجامعات والاعلام والأسرة والمدرسة والشارع، كل هذه المؤسسات يجب أن تعمل على برمجة مشاريع تربوية ضمن أنشطتها اليومية والشهرية والدورية “.
يتابع: ” أما المستوى الثالث فهم يتعلق بعلاقة الرمز والفوضى والشغب، فالأجيال الحالية افتقدت للقدوة عكس القديمة، حينها كان دائما للشباب قدوة كمفكر أو رياضي، أو عالم من العلماء، وهذه القدوة غالبا ما تساهم في ضبط السلوك، عكس اليوم، فقدوة اليوم هي المنطق التجاري، والنجاح هو منطق تجاري، مما ساهم في تخريب المعايير الاجتماعية والنفسية، كما ساهم في تخريب القيم التي تضبيط السلوك، وبالتالي صار الانسان يعبر عن فرحته وعن غضبه بالفوضى.”
يضيف: “وبخصوص المستوى الرابع، يتعلق بالفرق بين الملاعب في عقود خلت وملاعب اليوم، فسابقا كانت عبارة عن متاحف، وعبارة عن مسارح، الذي كان يقصد الملعب هو ذاك الشخص الذي يقصد السينما ودار الشباب، بحيث أن هذه المؤسسات تعمل على تنشئته اجتماعيا، وتعمل على تكوين ذوقه وحسه الفني، لأن التعاطي مع الملاعب الرياضية وملاعب كرة القدم بالخصوص كان تعاطي يحكمه الفن، عكس اليوم تحكمه الفوضى وشغب في كل الاتجاهات، لأننا أمام أجيال فقدت تذوق الفرجة، فحتى صناعة الفرجة لم تعد كما كانت، فكل هذه المستويات الأربعة مجتمعةَ، ساهمت بشكل كبير في صناعة شغب الملاعب “.
ويؤكد عنبي أن شغب الملاعب ليس مسألة اعتباطية:” بل تتحكم فيه ظروف، تتحكم فيه مؤسسات تراجعت بشكل كبير، كالأسرة ودور الشباب، والمدرسة والجمعيات الرياضية، والمؤسسات الوزارية المعنية في علاقاتها بالشباب، بالإضافة الى تراجع المسارح والموسيقى والفنون وعدم التعاطي مع تدريس الفنون، فالفن ينبغي أن يدرس في المدارس الابتدائية والاعداديات والجامعات”.
وصرح:” لا يمكن أن نقضي على شغب الملاعب فقط بالمقاربة الأمنية، فهي مقاربة تداخلية تكون في الحين، ولكن يجب أن نتطلع الى أجيال تأتي وتأخذ مقعدها وتصفق حينما تنتصر وتعبر عن غضبها بالكتابة وبالابتسامة أحيانا، وهذا يتطلب تنشئة اجتماعية، لهذا لابد للعودة الى تفعيل دور الجمعيات الرياضية المدرسية، ولابد من إعادة تفعيل دور المخيمات الصيفية، ويجب إعادة برمجة تدريس الفنون الجميلة في المدارس والمعاهد، كما يستلزم إعادة برمجة تصورات جديدة للجامعة”.
واختتم بقوله: ” فالجامعة ليست فقط للدراسة، بل هي للتربية ولتخليق الحياة وللتنشئة الاجتماعية، الى جانب تربية الأجيال، فحين تدخل للجامعة وتجد فوضى كبيرة، لا يمكن أن تكون الملاعب الرياضية بعيدة عن هذا الشغب وهذه الفوضى، بمعنى اخر فالملاعب الرياضية هي واجهة من واجهات المجتمع التي تعكس تفكك هذا المجتمع وتعكس نقص التغذية التربوية والفنية، التي تعاني منها عديد من المؤسسات داخل المجتمع، فالشغب يوجد في الشارع والمدارس والجامعات ومؤسسات كثيرة وبالتالي فهو شيء عادي ومنطقي أن يمتد الى الملاعب الرياضية”.