آخر الأخبار

مصطفى بوكرن يكتب :التحولات القيمية في حزب العدالة والتنمية .. من النصيحة الأخوية إلى التشهير الأخوي

كان الزاد التربوي لأبناء الحركة الإسلامية الإصلاحية، كتب المربي الإخواني العراقي عبد المنعم صالح العلي العزي واسمه الحركي محمد أحمد الراشد، صاحب الكتب المشهورة: المنطلق، العوائق، الرقائق، صناعة الحياة، المسار، رسائل العين..، و هذه كتب تتميز بلغة ادبية رفيعة، وعلم غزير بالتراث والواقع الحديث.


ويمكن التأكيد على أن احمد الراشد قدم من خلال كتبه “إديولوجية تنظيمية” قوية تعمل على تنظيم العلاقة بين الأفراد في الجماعة الحركية، من خلال قراءة تنظيمية للمرجعية الإسلامية والتراث الفقهي والأصولي..، وهذه “الإيديولوجيا” أسهمت بشكل كبير، في قراءة تفاصيل الحياة “التنظيمية الإخوانية” وتقديم الحلول المناسبة لكل خلل تربوي او تنظيمي..


يتحدث كثيرا أحمد الراشد على “الاخوة التنظيمية” بين افراد التنظيم الإسلامي، وكيف ينبغي لهم في حالة ما إذا وقع الخلاف والاختلاف، أن “يتغافروا” و”يتناصحوا” في ما بينهم حماية لمسار الدعوة الإسلامية.


من خلال التجربة، كنت شاهدا على الكثير من الاختلافات بين “الإخوة” في التنظيم الحركي، وينتهي الاختلاف بالعناق والبكاء، وان يقول أحدهم للآخر:”اللهم اغفرلي ولاخي هذا”، ثم تعود المياه إلى مجاريها، مهما بلغ الخلاف، ويختم اللقاء بآيات من الذكر الحكيم لتطويق أي ازمة تلوح في الأفق.


ويظل الاختلاف محصورا في لقاء أّصغر ” لقاء تنظيمي” او أكبر “لقاء تأطيري”، بتدخل الإخوان وإصلاح ذات البين، ثم بالنصيحة و التناصح، بل إن بعض الشباب الخلوق كان ياتي عند اخيه، ويقول له:”انصحني جزاك الله خيرا”، ثم من يريد أن ينصح أخا له يختار الزمان و المكان والأسلوب، لتصل النصيحة بطريقة راقية.


طبعا، نحن نتحدث عن فترة من التنظيم الحركي، حينما كان في فترة “الدعوة” او”المعارضة”، حيث ينبغي على كل أفراد التنظيم ان يكونوا في حالة تماسك وتواشج وتآلف وانضباط وتضحية ونضالية وفعالية، لان الدعاة ينبغي أن يكونوا هم القدوة ليؤثروا في المجتمع، أو لأن الانتصار على الخصم يتطلب التماسك القوي والانضباط.


هذه القيمة الحركية “النصيحة الاخوية” بدأت تتراجع، تدريجيا، بحسب التحولات التي يعيشها “المشروع الحركي” برمته من خلال انخراطه في المؤسسات الرسمية للدولة، حيث الآفاق الرحبة، والمغانم المغرية، أصبح التنظيم ينتقل من طور “التنظيم الجماعة” إلى طور”التنظيم الرسالي” المنفتح على المجتمع المشارك في كل المؤسسات الدينية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي توفرها الدولة.


كلما توسع مشروع التنظيم الحركي في مؤسسات الدولة، خاصة في المشهد الحزبي و السياسي، كلما وجد هذا المشروع نفسه في مواجهة الخصوم، فيدخل في النزاع و الصراع، للحفاظ على وجوده، وكسب مواقع جديدة خاصة في مناسبة “الانتخابات”.


هذا التحول في الانفتاح على مؤسسات الدولة، حقق مكاسب كثيرة، لكنه يواجه مواجهة قوية من طرف خصومه، لأن المغانم كثيرة.
فكان لهذا التحول الأثر الكبير على “العضو الحركي”، خاصة وأنه بدأ يرى من كانوا معه في الجلسة التربوية، أصبحوا:” مستشارين، عمداء، نواب في البرلمان، وزراء، سفراء..” ثم بدأ يلاحظ، استفادة هؤلاء الأعضاء من السفريات، ومن الحضور في مناشط كثيرة، والانفتاح على عوالم جديد، لم تكن تخطر على بال “العضو الحركي” الذي كان لا يعرف سوى “الجلسة التربوية” ثم”المسجد” ثم” خرجة إلى غابة” ثم”زيارة المقابر” ثم”زيارة المستشفيات” ثم” لقاءات صباحية للتأمل في شروق الشمس” ثم” لقاء أخوي ليلي” ثم:”إفطار جماعي” ثم” اعتكاف ” ثم “موعظة في جنازة” ثم:” موعظة في عرس”..يعني ان العضو يعيش التفصيل البسيطة في مجتمع بسيط جدا.


الآن، أصبح التحول مذهلا، قيادات يظهرون في التلفزيون، بل إن هؤلاء القيادات أصبحت ترفض أن تحضر لبرنامج لبعض البرامج التلفزية، بعدما كانت تحلم بمرور الكرام على التلفزيون الرسمي ، وهذه القيادات اصبحت لها علاقة وطنية ودولية، لكن في السابق، كان إعلام القيادة “كاسيت فيديو”، والعلاقات محلية محدودة.


إذن، هذا التنظيم الرسالي الذي خرج إلى “مؤسسات الدولة” هأثرت بشكل كبير في قيم “العضو الحركي السابق” فكان هذا العضو يؤمن “بالعمل الجماعي الحركي” بكل قيمه البسيطة، لكنه الآن “انتفخت ذاتهّ” بانتفاخ علاقاته ومواقعه وسفريات..
وتدريجيا، بدأ التنظيم الحركي السابق، المتماسك المتآخي، الذي كان وحدة جماعية، تحول إلى افراد وشخصيات ورموز.


هذا التحول من “الجماعة المتماسكة ” إلى “بروز الفرد” صادف تحولات في الإعلام، من “الإعلام المؤسساتي” إلى “إعلام وسائل التواصل الاجتماعي”، أصبح الفرد في الثقافة المعاصرة مثار اهتمام كبير “انا قوي انا شجاع انا بطل..انا حر”.


هذه الشخصيات والرموز ..، ثم هؤلاء الأعضاء الجدد، الذين يطمحون إلى احتلال مواقع جديدة داخل “مؤسسات الدولة”، استعملوا الفياسبوك، تنظيما جديدا في تدبير العلاقة مع إخوانهم السابقين، فأصبح الفايس بوك، فضاء جديدا، بقيمه الجديدة، التي تعلي من شان الفرد الخارق المؤثر الجريء القوي، الذي يمكن ان يؤثر في جماعة بكاملها، أصبح هذا الفرد ينظر إلى نفسه أكثر من نظرته إلى الجماعة، وحتما إن “الفردانية” لها قيمها التربوية كما “الجماعة” لها قيمها التربوية.


فالنصيحة الأخوية، تنتمي إلى زمن “التنظيم الحركي” المتماسك الذي يعيش لحظة، الدعوة والاحتجاج و المعارضة، والذي يعلي من شأن “القيام الجماعية” لتقديم النموذج ومواجهة الخصم، فطبيعة هذه المرحلة، تفرض قيما حركية معينة.


لكن، التشهير الأخوي، ينتمي إلى زمن التنظيم الذي انخرط في المؤسسات، والذي يعني من شان الفرد، واصبح أفرد هذا التنظيم في مواقع متميزة، فيها مغانم مغرية ولو كانت معنوية، وهذا التشهير يقطع الطريق على كل أخ منافس لأخيه، لأنه يردد في نفسه “انا القوي، أنا الاعظم..” في المناصب المميزة التي تنتظر الجميع قبل الانتخابات وبعدها.
القيم الحركية، تتحول بحسب تحولات التنظيم السياسية، وتحول الفرد، من “الفرد الجماعي” إلى “الفرد المستقل.”


وفي هذا السياق، تأتي ما اصطلح عليه المتابعون رسائل “أوراق الزبدة” لبنكيران، لو أردنا محاكمة بنكيران بكتب أحمد الراشد، فإن الحكم عليه سيكون قاسيا. لأن القطيعة في عرف التنظيم الحركي الإسلامي أمر منهي عنه شرعا. ثم إن بنكيران نفسه شهر باعز الناس إلى قلبه، وأصدر في حقه بيانا، وهو الأمين بوخبزة، حيث وصفه أنه ضل السبيل السياسي. وما يفعله بنكيران يشبه قليلا ما قام به بوخبزة.


إذن، طبيعة القيم الحركية، تتحدث بحسب المرحلة السياسية التي تمر بها الجماعة، وهي ليست مقدسة لذاتها، بل تتحول بحسب موقع الفرد أيضا أيضا. كل تغيرت المواقع بشكل جذري، قد نرى قيما غريبة، تذهل الكثير من المتابعين.

المقال التالي