يوسف الغريب يكتب :الحدث هو انتزاع اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء

(.. أورد بلاغ للديوان الملكي أن الرئيس الأمريكي أخبر، خلال الاتصال الهاتفي مع العاهل المغربي الملك محمد السادس بأنه أصدر مرسوما رئاسيا، بما له من قوة قانونية وسياسية ثابتة، وبأثره الفوري، يقضي باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية، لأول مرة في تاريخها، بسيادة المملكة المغربية الكاملة على كافة منطقة الصحراء المغربية…).


هذا هو الحدث الأهمّ والتاريخي بالنسبة لقضيتنا الوطنية.. ومن طرف دولة لها وزنها القوى في صناعة القرار الأممي ووزنها القوى داخل مجلس الأمن الدولي.


وما فوق الأهم هو سرعة أجرأته بفتح قنصلية للولايات المتحدة الأمريكية بمدينة الداخلة المغربية مع انطلاق مجموعة مشاريع استثمارية كبرى بالمنطقة الجنوبية..وخاصّة مجال الطاقة المتجددة التي بدأت أشغالها منذ سنتين تقريباً.


هي لحظة تاريخية مفصلية بالنسبة لقضيتنا الوطنية بل تتويج وانتصار للدبلوماسية المغربية التي استطاعت انتزاع هذا الاعتراف الذي لا شك سيكون له انعكاسات إيجابية لتشجيع أغلبية الدول الصديقة من دول أوروبا وأمريكا اللاثينية وغيرها.


وضمن نفس السياق.. فاختيار وقت إعلان هذا القرار التاريخي بعد الانتخابات الرئاسية من طرف رئيس انتهت ولايته يؤكد قوة الموقف المغربي ورزانته في تجنب الاصطفاف بين طرفي الصراع هناك.. ليكون بذلك صديقا وحليفا لأمريكا البلد أيّاً كان رئيسها.. ويمفى الانتباه فقط إلى المرجعية التاريخية التي استند إليها للرئيس ترامب حين أشار إلى أن المغرب هو أوّل بلد يعترف باستقلال أمريكا.. وعلينا أن نردّ الجميل.


فشكراً لأجداد أجداد.. أجدادنا الذين تركوا لنا هذا الإرث التاريخي.


وقد يحاول البعض منّا أن يربط هذا القرار التاريخي بتنازل المغرب عن موقفه الثابت من القضية الفلسطينية خصوصاً بعد الإشارة إلى ذلك.


والحال أن بلاغ الديوان الملكي جاء ليؤكد للرئيس الفلسطيني موقف المغرب الغير القابل لأية مساومة أوتنازل انسجاماً واحتراماً لمواقف المغرب قيادة وشعباً.. كما في السابق حين تمّ فتح مكتب الاتصال الاسرائيلي بالرباط سنة 1994 تسهيلاً لخدمة الجالية اليهودية المغربية القاطنة باسرائيل وذات الارتباط الروحي والإنساني بالمغرب.


كان القرار في تلك الفترة سياديّا وكان مفهوماً من طرف القيادة الفلسطينية بجميع فصائلها.. دون أن يوصف الأمر آنذاك بأنّه تطبيع في العلاقات مع الكيان الصهيوني
وحين كان الإغلاق للمكتب سنة 2000 كان القرار سياديّاً أيضاً..احتجاجاً على انسحاب إسرائيل من عملية السلام والوقوف إلى جانب الانتفاضة الثانية.


لاشيء سيغيٍر موقفنا من القضية اذا أعدنا فتح مكتب الاتصال من جديد خدمة لليهود المغاربة لأننا أصحاب القرار السيادي كما في السابق اذا طرأت مستجدات مستقبلاً..


لكن الذي تغيّر بالفعل هو انتزاع اعتراف بجحم دولة وازنة دوليا بقضيتنا الوطنية وإغلاق القوس بشكل نهائي وإلى الأبد.


الذي تغيّر بالفعل هو قوّة بلدنا وذكاؤها في تدبير أزمة المعبر الحدودي الكركرات وبكل هذا الهدوء لصالح قضيتنا الوطنية..دون أي تنازل أومساومة عن قراراته السيادية..
وأعتقد أن العودة لقراءة خطاب الخليج لسنة 2016 كاف لتأكيد ذلك.
فالمغرب حين يفكّر يفكّر بهدوء..ويضرب بقوّة.