عبد الغني العمراني : تحرك “البوليساريو” دليل على فشل أطروحته الإنفصالية

شكل المعبر الحدودي “الكركرات” عنوانا للتهريب والاتجار في البشر والمخدرات ووكرا لقطاع طرق يبتزون المارة و يطلقون على أنفسهن إسم “بوليساريو” ، اليوم وبعد تطهيره من طرف القوات المسلحة الملكية المغربية بأمر من صاحب الجلالة، غذى المعبر نقطة حدودية استراتيجية مؤمنة يجتازها التجار تحت مراقبة أمنية دقيقة.

“مغرب تايمز” أجرى حوارا مع عبد الغني العمراني أستاذ متخصص في تاريخ العلاقات الدولية للتسليط الضوء أكثر على هذا الموضوع

1ما هي قراءتكم لسير الأحداث بمعبر الكركرات الحدودي؟


ظل المغرب منذ بداية التسعينات (1991) من القرن الماضي وإلى غاية الوقت الراهن متمسك بالشرعية الدولية وملتزم تماماً بالمواثيق الأممية التي أطرت علاقته بالصحراء من جهة، وبجبهة البولساريو من جهة ثانية، واستطاع المغرب بفضل السياسة الخارجية الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس كسب تأييد عدد كبير من دول العالم التي أقرّت رسمياًّ بمغربية الصحراء وأشادت في الوقت ذاته بسياسة الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب لفائدة للأقاليم الجنوبية سنة 2007، ولتبيان العلائق الودية الحسنة بينها وبين المملكة المغربية بادرت بعض منها إلى فتح قنصليات لها في مدينتي العيون والداخلة، الأمر الذي أثار حفيظة جبهة البوليساريو التي أدركت أخيراً أن أطروحتها فاقدة للمصداقية لم تعد لها أفق في المستقبل، وبالتالي لم يجد ميلشياتها غير إتباع طريق «اللصوصية» وقطع الطريق أمام حركة مرور الأفراد والمنتجات والسلع بين المغرب وموريتانيا. أمام هذا الوضع الخطير، قرر المغرب وفق السلطات المخولة له التحرك لوقف الاستفزازات غير المقبلولة لمليشيات البوليساريو في منطقة الكركرات، وتمكنت القوات المسلحة الملكية التي التزمت بأكبر قدر من ضبط النفس من طرد عصابات البولساريو وإرجاع الأمور إلى نصابها وإقامة جدار أمني يؤمن الوضع مستقبلاً ضد أي وجود لعناصر البوليساريو في المنطقة. وقد حظي التدخل العسكري المغربي بإشادة ودعم العديد من المنظمات والدول الغربية والآسيوية والإفريقية التي اعتبرت أن ما أقدم عليه المغرب يدخل في إطار صلاحياته لأجل تأمين حدوده وتحصينها وضمان سلامة تنقل الأشخاص والبضائع بينه وبين دول غرب إفريقيا.

2 بين خبر زيارة الملك لموريتانيا المرتقبة ورفض هذه الأخيرة استقبال وفد من الكيان الوهمي “البوليساريو” هل تتوقعون التغيير الإيجابي في الموقف الموريتاني؟

من المعلوم أن العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وموريتانيا تعرف فتوراً نسبياًّ منذ سنوات لتداخل مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية، ومع ذلك فإنهما يرتبطان بعلاقات تجارية نشيطة منذ مدة طويلة، وحيث إن التطورات الأخيرة التي تسببت فيها عناصر البوليساريو في منطقة الكركرات قد حدّت من تدفق السلع والبضائع المغربية والأوروبية إلى موريتانيا لأسابيع فلا ريب في أن السوق الداخلية الموريتانية تضررت بشكل كبير جرّاء ذلك، لذلك فإن الخطوة التي أقدم عليها المغرب لتطهير الكركرات من «لصوصية» البوليساريو ستعيد من دون شك للمعبر أهميته التجارية السابقة وستنتعش بالتالي الحياة الاقتصادية بموريتانيا، وقد تدفع بها إلى إعادة النظر في موقفها إزاء الصحراء المغربية، كما أن الزيارة المرتقبة لعاهل البلاد إلى موريتانيا تأتي في سياق التطورات الخطيرة الأخيرة في المنطقة والتي ستشكل هي الأخرى نقط تحول في مسار الموقف الموريتاني من الصحراء الذي سيكون لا محالة في صالح المغرب خصوصا بعدما تسبب البوليساريو بأضرار اقتصادية جمة للسوق الموريتانية.


3/ ما الذي يمثله معبر الكركرات للمغرب في أفق العلاقات المغربية الإفريقية؟

يُعتبر الكركرات مَعبراً حيويّاً للمغرب فهو المنفذ الوحيد له نحو دول إفريقيا جنوب الصحراء، لذلك فإن أي محاولة لعرقلة حركة المرور عبره من شأنها أن تُؤثر على العلاقات الاقتصادية التي تربط المغرب بالعمق الإفريقي، وإذا كانت عناصر البوليساريو قد دأبت على إحداث المشاكل بهذه المنطقة لاستفزاز المغرب وجرّه إلى خرق اتفاقية وقف إطلاق النار، فإن ذلك لن يتكرر في المستقبل، لأن المملكة حسمت هذه المرة مسألة المعبر بشكل نهائي ولن يتم إغلاقه مرة أخرى، بحيث أنه لم يعد معبراً يهم المغرب وموريتانيا وحسب، وإنما أضحى طريقاً يهم التجارة الدولية بما فيها تجارة الدول الأوروبية إلى عدد من الدول الأفريقية.

4/ أمام الإنتصارات المتتالية للمغرب ديبلوماسيا و ميدانيا ، ماذا تبقى للبوليساريو أن يفعل؟

إن تحرك البوليساريو في منطقة الكركرات لا يعدو أن يكون رد فعل طبيعي ضد فشل أطروحته الانفصالية في المنتظم الدولي، ودعم دول كثيرة لمقترح الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية، خصوصاً وأن عدداً من الدول أقدمت حديثاً على فتح قنصليات لها في مدن الصحراء وأعربت دول أخرى كذلك عن رغبتها في فتح قنصليات في المدن ذاتها وهو ما أصاب قادة البوليساريو في مقتل.


5/ بناء مسجد و انطلاق إنشاء منطقتين صناعيتين بالكركرات وبئر كندوز هل يمكننا القول أنها بداية إعمار “الكركرات؟


لأجل الحد من تحركات عناصر البوليساريو في منطقة الكركرات، وقطع الطريق أمام حلم الجزائر في الوصول إلى المحيط الأطلسي قررت المملكة المغربية -بعد تطهير المنطقة من ميليشيات البوليساريو- النهوض بعجلة التنمية والتعمير بالمنطقة على غرار باقي تراب الصحراء المغربية، وستنطلق المشاريع التنموية بتشييد مسجد كبير بمنطقة الكركرات على مساحة تبلغ 3767 متراً مربعا، بتكلفة مالية قدرها حوالي 8.8 ملايين درهم، وإنشاء منطقتين للصناعة واللوجيستيك بكل من الكركرات وبير كندوز على مساحة إجمالية قدرت بـ 30 هكتاراً، بحيث سيتم إنشاء محطة لوجيستية على مساحة 15 هكتار، ومنطقة تجارية وصناعية على مساحة مماثلة باستثمارات تقارب 60 مليون درهم، وستسهم هذه العملية دون شك في تطوير ودعم الصادرات المغربية عبر الموقع الجغرافي الإستراتيجي وتقوية روابط المغرب مع باقي دول إفريقيا جنوب الصحراء.